-A +A
عيسى الزرعوني
أود أن اتحدث عن الجوع الذي لا يشبع داخل أنفسنا، وأنه صار لا يشبعنا ما في أيدينا، وأن عدم الرضا هي السمة السائدة..

ترى أشخاصاً ناجحين في عملهم وتجارتهم وأسرتهم، ويأكلون ويلبسون من أفضل الأماكن، إلا أن العبوس سيد الموقف، لماذا؟!


«أريد أن أصبح أفضل، ويُشار إليّ بالبنان»، وعندما تحدثه عن القناعة وأن يحمد الله على ما عنده، يرد عليك بقول الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز «إن لي نفسا تواقة وما حققت شيئا إلا تاقت لما هو أعلى منه».. الطموح جميل لا أحد يمنعك، ولكن استمتع بنجاحاتك الحالية، لأنك في هرولتك المحمومة نحو المزيد من التألق والمزيد من النجاح وشراسة المنافسة التي تصل لمستويات تتخطى مبادئك من أجل الوصول فقط، ويا ليتك تصل وتكتفي وتشعر بالسعادة، بل تحطم كل شيء معك، أوقاتك مع أسرتك ومع نفسك وصحتك وأحياناً سمعتك، لأنك تريد البريق لا ينطفئ من حولك..

في الماضي كانت معايير السعادة والرضا، ومقاييس النجاح والإنجاز، تُقاس بأدائك الأسري وتواصلك الاجتماعي، عن كونك ابناً باراً، وزوجاً طيباً، أو أُمّاً صالحة..

الآن يريد أن يتسم بالاستثنائية، أن يحقق إنجازات خارقة، أو يحصد شهادات فارقة، وأكبر مخاوفه أن يكبر مغموراً لا يعرفه أحد سوى أسرته وزملاء عمله..

لماذا أصبح النجاح يُقاس بحجم «الصخب» الذي يخلقه، لا «الأثر» الذي يصنعه؟ وأن يعيش حياة «عادية»، وألا يكون بطل زمانه، واستثنائياً وصاحب مانشيتات في الصحف والمواقع الإلكترونية، حتى أصبح «هَوَس الترند» هو الشغل الشاغل، ويشاركون أي موجة ترند، المهم أن يبرز ويحقق شهرة زائفة حتى يُقال هذا هو صاحب العمل الفلاني أو الفعلة الفلانية، ولا يهم إن كانت مُشرفة أو «سواد وجه»، المهم أن يدخل التاريخ، ولا يعلم أن «أبا جهل» أيضاً دخل التاريخ، ولكن من أي باب!

أريد أنا وأنت والجميع بأن نكون ناجحين ومؤثرين في مجتمعنا ونحقق الوفرة في المال والعيال والصحة، حتى نصل للسعادة، ولكن كيف سنصل للسعادة من دون رضا؟

يجب أن نتذكر أن الرضا النفسي هو الهدف الحقيقي في هذه الحياة، وأنه يمكن الحصول عليه عن طريق العمل على تطوير الذات والاهتمام بالنفس، وعن طريق الحفاظ على الروابط الاجتماعية الصحية.

علينا أن نتذكر أن السعادة الحقيقية لا تأتي من الخارج فحسب، بل تأتي من الداخل، وهو ما يحتاجه الكثير منا في هذا العالم الذي يتسم بالتنافس والتسلط.