-A +A
عبده خال
منذ فترة وأنا أتابع التغيرات السلوكية بين أفراد المجتمع، وليس خافياً أن سلوكيات كثيرة اتخذت موقع الصدارة، وأخرى توارت. ووفق جدول (مندل) تغير السائد والمتنحي، فإن التغير حدث في جيل واحد، والتغير السلوكي له مسببات عدة إلا أن سرعة قطار الاستهلاك كانت المسبب الرئيس في إحداث ذلك التغير.

وعودة إلى مقال سابق كتبت فيه بأننا مقدمون على تغير مناخ اجتماعي يؤدي إلى تصحر عاطفي، كون معطيات الزمن جدت في سرعتها، فلم تترك لنا فرصة استقبال المتغيرات السلوكية بخطط استباقية، ولم يكن بالإمكان مجاراة المتغيرات المتسارعة بخطط بديلة، فقد جاءت السرعة الزمنية بأدواتها المستحدثة، فلم تستطع الأدوات الاجتماعية القديمة الصد أو المقاومة، ومن الطبيعي جداً الارتهان للمتغير، فلكل زمن أدواته ومرتكزاته، والمعطيات الظاهرة تنبئ أننا مقبلون على تصحر عاطفي عجيب، فالمخترعات التقنية قفزت بالكون أشواطاً بعيدة، أحدثت اهتزازاً عالمياً، تخف آثاره وفق موقع تلك المجتمعات بعداً أو قرباً من امتلاك تلك التقنية، ولم تعد المجتمعات الاستهلاكية على اتفاق ثقافي ونفسي مع المستجدات ذات الأثر الفاعل على حياتهم.. وعادة تكون المجتمعات الاستهلاكية تابعة رغماً عنها وتتشكل وتتغير سلوكياتها وفق معطى المنتج التقني الذي تنتجه أو تتعامل معه. والدول المنتجة توازت مجتمعاتها وفق ذلك المنتج فتجد تناقضاً حاداً بين ثقافة المجتمع ومنتجاته وتحديداً في الجانب الاجتماعي، بينما ما يحدث للدول المستهلكة أن ثقافتها وسلوكياتها تكون متأخرة جداً عن الأدوات المستخدمة في حياتهم بحيث تمثل فجوة لا تتسق مع حياتهم المتباطئة، والسبب الرئيس يقاس بمدى التماشي مع المعطى التقني.. ونتذكر إعلان إحدى الجامعات البريطانية عن تصنيع رجل آلي (روبوت)، يقوم مقام الزوج بجميع الاحتياجات التي تحتاج إليها المرأة من الألف إلى الياء أو من طقطق للسلام عليكم، مع امتيازات لا يستطيع الرجل العادي مجاراته وخاصة في دلق كمية وافرة من الغزل وامتداح الجمال والشعور وتبديد الملل لدى الزوجة البشرية..


وهذا المخترع الآلي، كيف يمكن للمجتمعات المستهلكة استيعاب إحلال الرجل الآلي محل الزوج البشري التقليدي؟

هذه صورة نضعها على الهامش، ولنترك للخيال فرصة لدى كل قارئ لكي يجيب ماذا ستكون عليه الحياة الزوجية بهذه الصيغة..؟

ربما قد سبق هذا الروبوت الزوجة الآلية أو المصنعة لكي يتخلى الرجل عن المسؤوليات الجسام في الرعاية والإنفاق ووجع الرأس بسبب البحث عن الزوجة الملائمة؟

القضية هنا ليست رغبة (جنسية) أبداً، وإنما هي تقنية سوف تغير النمط السلوكي خلال السنوات القادمة، أي أن ثقافة الدول المستهلكة سوف تجد نفسها أمام معضلة اجتماعية قاسية، ولم تصل ثقافتها إلى ما هو حادث تقنياً وليس لديها حلول وقتية أو مستقبلية عما تحمله المقتنيات التقنية من تغير ثقافي وسلوكي.. وفي هذه الجزيئية مثلاً، تأتي التقارير عن ارتفاع نسب العنوسة وعن ارتفاع نسب الطلاق وعن تأخر سن الزواج وعن العازفات عن الزواج، ولو ضيقت هذه المجاميع مع المتغير التقني سنلحظ أننا فعلاً أمام أزمة اجتماعية لم تحل بالطرق التقليدية ولن تحل بالتعددية، ومع تراكم أعداد غير المتزوجين يتبادر إلى مسامعنا جنوح البعض (تصريحاً أو تلميحاً) للارتهان لما تنتجه التقنيات من بدائل.. وأعتقد أن القادم بحاجة إلى أفكار لمجابهة هذا التصحر العاطفي الحادث أو القادم الذي ينبئ أن ثمة عاصفة اجتماعية لم يتنبه لها أو تؤخذ لها الحدود التي من شأنها تجنيب المجتمع من ذلك التصحر العاطفي.. ليس هذا تهويلاً وإنما إشارات لما سوف يحدث، ربما خشيتي منبعها سلوك وقيم عشت بها بينما الجيل الحالي يسخر من مثل هذه الخشية كونه ابن العصر، وثقافته هي ثقافة عصره.