-A +A
محمد مفتي
لم تقتصر رؤية 2030 على صياغة خطة استراتيجية تُعنى بتطوير القطاع الاقتصادي أو السياسي أو الأمني والعسكري للمملكة فحسب، بل هدفت بشكل جوهري لصياغة رؤية حقيقية متكاملة لما يجب أن تكون عليه المملكة على المديين القريب والبعيد معاً، ولعل أحد أهم أهداف هذه الرؤية هو الاهتمام بالمواطن على العديد من الأصعدة، غير أن أهمها هو الاهتمام بتعليمه وتثقيفه كفرد فاعل منتمٍ لوطنه وملتحم بقيادته، يعي ما يدور حوله من تحديات وقادر على مواجهتها بنفسه، ويشارك الدولة في تحدياتها سواء كانت أمنية أو صحية أو اقتصادية ليقوم بدور فعال في خدمة مجتمعه ووطنه.

بتدشين المملكة عدداً من المواقع الإلكترونية والتطبيقات المعنية بالمجال الأمني وبمكافحة الفساد والإرهاب وغيرها من قضايا مهمة تمس حياة كل فرد يعيش على أرض المملكة -مثل «نزاهة» و «كلنا أمن»- أصبح المواطن السعودي هو الطرف الذي تقع عليه مسؤولية حماية بلده في المقام الأول والأخير، فالمواطن هو الطرف الأشد تضرراً عندما تنتشر الجرائم وتعم الفوضى وينتشر الإرهاب، فحياته وحياة أسرته وممتلكاته ستصبح في خطر داهم، ولذلك فإن هذه التطبيقات ومثيلاتها تهدف لأن يقوم المواطن بمسؤوليته تجاه نفسه وتجاه بلده، فالجهات المعنية وأجهزة الدولة المختصة لا يمكنها العمل بمفردها دون تعاضد بقية أفراد المجتمع معها.


إطلاق مثل هذه التطبيقات والمواقع الإلكترونية بالمملكة يعتبر إنجازاً بالمعنى الحرفي للكلمة، لعل أهمها هو تمكين المواطن بشكل ممنهج ومنظم من الإبلاغ عما قد يعتقده خطراً -من أي نوع- على أي طرف، فبمجرد أن يمتلك أدلة أو معلومات من شأنها تقليل حجم الأخطار الأمنية أو الجنائية أو الإرهابية أو تلك المتعلقة بالمخدرات يمكنه إرسال تلك المعلومات على الفور، ذلك أن عدم وجود مثل هذه التطبيقات سيجعل المواطن في حيرة فهو لا يعرف لمن سيقدم مثل هذه المعلومات، وهذا التردد والتخبط في تقديم المعلومات سيؤدي بطبيعة الحال لازدياد معدل الجريمة أو الفساد، وهو ما قد يدفع الخارجين على القانون للاستمرار في أنشطتهم الإجرامية.

أتاحت تلك التطبيقات للمواطنين امتلاك منصة آمنة ومنظمة يتمكنون من خلالها التبليغ عن أي تجاوز يرونه، وهو ما يشعرهم بأنهم في موقع المسؤولية فيزداد اهتمامهم بشؤون بلدهم والانتماء له، فالمواطن عندما يشعر بأنه يقوم بدور فعال في حماية وطنه واستتباب أمنه، يزداد تلاحمه مع بقية أفراد المجتمع ويزدهر الإحساس الوطني بين الجميع، كما أن تلك المنصات تجعل الدولة على اطلاع دائم بمجريات الشارع، فمعرفتها بما يدور في المجتمع من خلال تواصلها مع المواطنين يمكنها من التصرف على نحو صحيح في الوقت الملائم.

من المؤكد أن المواطن السعودي هو صمام الأمن في المجتمع وجهوده تتكامل مع جهود رجال الأمن، وقد أحسنت الجهات المختصة صنعاً بمناشدة المواطنين التعاون معها ومشاركتهم جميع حملاتها الضارية ضد تجار المخدرات وهوامير الفساد والمنظمات الإرهابية، كما أجادت جميع المنصات الإعلامية والتوعوية والثقافية صنعاً بتوسيع مدارك المواطنين بالمخاطر التي تحيط بهم وببلادهم، وهو ما انعكس إيجاباً على كمية التفاعلات اللافتة والمميزة من المواطنين تجاه تلك المناشدات.

لعل أهم خطوة ساهمت في تعزيز الثقة بين المواطن والجهات المختصة هو تعامل الدولة مع تلك البلاغات بسرية تامة، كما أنها تأخذ تلك البلاغات بجدية حقيقية انعكست في كمية النجاحات المتتالية التي حققتها أجهزة الأمن، فقد تهاوت الكثير من أعمدة الفساد، وتم القبض على العديد من المجرمين الجنائيين العاملين في مجال تهريب المخدرات والاتجار بها، كما يتم تفكيك الشبكات الإرهابية على نحو منتظم منذ بدء إطلاق تلك المنصات، وهو ما يؤكد نجاح الاستراتيجية الوطنية في تقليل عدد الجرائم في المملكة من خلال زيادة التلاحم بين المواطن وبين أجهزة الدولة المعنية على اختلافها، مما يبرهن بوضوح على أن المواطن هو خط الدفاع الأول والأخير عن حماية الوطن والحفاظ على مكتسباته وموارده.