-A +A
علي بن محمد الرباعي
حين تقع على المسؤول الضعيف مشكلة تختلط أوراقه، وتتلخبط أولوياته، وينصرف ذهنه كلياً إلى كيفية كتم التفاصيل، ودفن القضية، لكي لا تعرف مرجعيته، شيئاً مما حدث، ولا يدري المسؤول الأكبر بما جرى.

ولو تساءلنا: لماذا أسّست الدولة وزارات، وعيّنت وزراء، واختارت أكفاء، وفتحت فروعاً وإدارات وأقساماً، في كل منطقة ومدينة؟ فالجواب: كل ذلك لخدمة المواطنين والمقيمين والقيام بالدور المناط بالجهة المعنية على أكمل وجه.


لا يشك أي راصد موضوعي في نزاهة كل معنيّ بعمل عام حتى يثبت العكس، وحرص أي مسؤول على نجاح المؤسسة التي يشرف عليها من البدهي، إلا أن البعض يتوجّس خيفة من ملاحظات، أو نقد، ويود أن تكون المآخذ سريّة، والإطراء علنياً، وألا تنكشف الحقيقة التي ربما تتصادم مع منطوق صريح الأنظمة، وينحصر التفكير ساعتها، ويغدو الشغل الشاغل عند وقوع قصور ما، كيف نُخفي المخالفات، وربما تعالج بطريقة عشوائية، خشية أن يدري الوزير فيزعل على النائب والنائب يزعل على المدير والمدير يزعل على الوكيل والوكيل يزعل على السكرتير والسكرتير يزعل على المراسل وتطول قائمة الزعل.

شرعاً (الضرر يُزال)، لكنه لا يُزال بضرر مثله، وكثيراً ما أسأل نفسي، كم نتحدث اليوم عن الشفافية، وهو مصطلح حديث علينا؛ لأننا كنا في زمن فات نخاف من الهمس بالأخطاء والتجاوزات، إلا أن العصر الرقمي كشف المغطّى، ولم يعد بالإمكان تضبيب أي مخالفة ولو عفوية، فإذا كنا نقول (الجدران لها آذان) فاليوم التقنية لها عيون، ولستُ في مقام إشادة بالتشهير أو التطاول، فكل مؤسسة من مؤسسات الدولة لها مكانتها التي هي من مكانة الوطن، إلا أن بعض القرارات تربك المنظومة والربكة تكشف المستور، والانكشاف مدعاة للاعتراف بالمشكلة أو الإشكاليات فلم يعد يجدي العمل بشعار (تكفون الوزير لا يدري).

أي وزير من وزراء الدولة مرتبط بمجلس الوزراء، الذي ينعقد أسبوعياً، ومؤكد أن النقاش حول كل قطاع من قطاعات الدولة قائم على الصدق والوضوح وإبراز الحقائق، وقيادتنا تتبنى عملية الإصلاح، والتطوير، وتسابق الزمن في تأهيل الوزارات والإدارات لتكون في مستوى التحول نحو مستقبل مشرق.

ومن الأخطاء الذهنية ظن بعض المسؤولين أن ولاة الأمر يغضبون من معرفة واقع شعبهم، والعكس هو الصحيح، فالملك وولي العهد -حفظهما الله- أوليا المسؤولية شخصيات يثقون بهم؛ ليطلعوهما على التحديات والمعوقات، وأسباب الإخفاقات، أو الفشل إن وقع، وتعثر بعض القرارات أو المشروعات؛ لأن العلم بالخلل بوابة للمعالجة وتوفير الحلول الآنية والمستقبلية، فالواجب أن يدري الوزير.

وأُثنّي على مداخلة عضو مجلس الشورى الدكتورة لطيفة الشعلان عن نسب الغياب الوهمية، ولربما تحفظت على أن تقول ما يثير حفيظة بعض مديري التعليم، ممن ربما يشددون على رفع أي مدير مدرسة نسب الغياب الفعلية، ولو فعل فربما يجعل من نفسه عُرضةً للمساءلة، تفادياً لتعريض مدير التعليم مثلاً للمساءلة! ولربما أن بعض المشرفين يزورون مدارس في يوم الدوام السابق لإجازة مطولة أو إجازة مناسبة وطنية أو أعياد، ويتحفظون على الأرقام التي دونها مدير المدرسة ويقومون بتعديل نسبة الحضور إلى 99.99%.

يظل التعليم هو الذي يعزز علاقتنا بالصدق وبمكارم الأخلاق، والغياب ليس جريمةً ، ولا تقع مسؤوليته على مدير مدرسة ولا مدير تعليم وربما ولا على الوزير، فهناك أسباب نفسية واجتماعية وثقافية وسلوكية وذهنية، مرتبطة ربما باستثقال الواجب والتهرب من المدرسة ذات الأسوار بحثاً عن فضاء أرحب أو الخلود للنوم إثر سهرة طويلة.

وربما يظن بعض المسؤولين في التعليم أن بمقدور مديري المدارس، تحويل مدارسهم إلى فضاءٍ جاذبٍ للطلاب، وهم يعلمون أن مدير المدرسة محدود الدخل ولا يتقاضى سوى راتبه الشهري، وليس مطلوباً منه أن يؤثر مؤسسة حكومية على مؤسسة الأسرة، فالبناء على التصورات لا يكفي في إنجاح الآليات والتوجهات.

عندما يدري من بيده القرار عن معضلة كالغياب، سيقدم الحل ويوفر الدعم ويطالب بالمزيد من الإمكانات، وهذا مصلحة ونفع لا ينبغي أن نزهد فيه، أو نعف عنه بدعوى مكتفين وما نحتاج، أو الوضع تحت السيطرة.

ولا تغيب المسؤولية عن ذهن الذي يلجأ لتحضير طالب غائب، خصوصاً لو وقعت جناية أو جُنحة أو اعتداء من الطالب الغائب لا سمح الله.

ربما بعض الفكر الإداري التقليدي لا يزال يتعامل بمنهجية (خلوا علمنا بيننا) و(ما ينقصنا مشاكل) وأتساءل مُجدداً: ماذا لو ناقشت نزاهة نسب غياب الطلاب في المدارس؟ هل يتورط مغلوبون على أمرهم في تهم فساد؟ أم أننا نبالغ في تقييم واقع التعليم (ونجعل من الحبة قبّة) كوننا بعيدين عن الميدان، وقاعدين في المدرّج نتفرّج؟ وقديماً قال أجدادنا (الحرب على المخيّلة سهلة).

المؤكد أن ثقتي في تعليمنا ومدارسنا لا حد لها، فأبنائي وبناتي في المدارس، وأعيش معهم، وأعايش الجهود الراقية التي يقوم عليها خيرة المعلمين والمعلمات والتربويين والتربويات.