لعل المراقب السياسي لأي نوع من أنواع الأحداث المرتبطة بقرارات سياسية يأمل في داخله أن يتخذ السياسي قراراً يخرج عن حدود المألوف والمتوقع. فمتعة عنصر المفاجأة في السياسة لا تقل عن المتعة التي يشعر بها المرء في انعطافات القطارات السريعة غير المنتظرة في مدن الملاهي، والتي يمكن أن تفقد قوانين الجاذبية مفعولها للحظات. لكن، وللأسف، فإن ذلك النوع من القرارات يبقى استثناءً في عالم السياسة المعاصرة، حيث أصبح التكهن بالاتجاه السياسي مسألة حسابية بعض الشيء تعتمد على تجميع ما يفكر به السياسي بصوت عالٍ على مواقع التواصل الاجتماعي.
من هنا، فقرار الاتحاد الأوروبي بإلغاء الاجتماع المقرر بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، الذي هو، عملياً، قرار ألماني، كان مسألة منتظرة؛ إذ إنه من الناحية الشكلية فالأوروبيون عموماً والألمان خصوصاً خرجوا من الملعب السياسي للأزمة السورية مبكراً ولم يعد لهم أية وسيلة للتأثير السياسي على مواقف أطراف النزاع عندما أعلنوا بأن النظام السوري قد فقد شرعيته وقاموا بسحب سفاراتهم من دمشق وأعلنوا المعارضة السورية الخارجية ممثلاً شرعياً ووحيداً بنظرهم للشعب السوري. على أن هذا الموقف لم يكن منذ البداية موقفاً موحداً، فبعض الدول الأوروبية حافظت على علاقاتها السياسية والأمنية مع دمشق، وآخرون قاموا بفتح سفارات في دمشق أو حافظوا على تمثيلهم الدبلوماسي بشكل أو بآخر. وحتى الاتحاد الأوروبي له سفير لسورية يقيم في بيروت ويتردد من هناك باستمرار إلى دمشق.
إلا أن كل هذه المواقف من بعض الدول الأوروبية لم تثنِ الألمان عن التمسك بلاءاتهم الثلاث؛ التي هي لاءات الاتحاد الأوروبي حسب رأيه الرسمي: لا للتطبيع مع نظام الأسد، لا لرفع العقوبات، ولا لإعادة الإعمار دون البدء بخطوات جدية باتجاه حل سياسي. ما يلاحظه المرء أن هذه اللاءات أصبحت مع الزمن تمثل إيديولوجية سياسية عامة، أو ربما ثيولوجيا سياسية خاصة، تطبع الموقف الألماني والأوروبي، على الرغم من اختلاف المواقف بين الأوروبيين. ولعل هذا ما يفسر الارتباك الشديد في الموقف الأوروبي على تعدده، الذي سببه التقارب الخليجي السوري الذي أصبح تقارباً عربياً سورياً انتقل إلى المرحلة المؤسساتية بإعادة سورية إلى الجامعة العربية. ما يثير الاهتمام في هذا المقام، بأن المعادلة هنا لم تخرج حتى عن إطارها الشكلي الذي يرتبط بجلوس المسؤولين السوريين مع العرب وفتح قنوات للنقاش وتبادل الآراء معهم، فمجرد ذلك يثير حفيظة الاتحاد الأوروبي عموماً والألمان بشكل خاص. فالاتحاد الأوروبي ومن ورائه الألمان لم ينتظروا ليعرفوا أجندة التقارب السوري العربي من الناحية الموضوعية؛ أي لم ينتظروا جواباً عن السؤال الأهم الذي يدور حول المسائل العملية التي ستتبع هذا التقارب، التي هي بيت القصيد لحل المعضلة السورية التي أصبح عمرها اثنتي عشرة سنة ونيف.
وتبعاً لذلك، فلا معدى عن القول بأن رفض الأوروبيين الشكلي للجلوس مع وزراء خارجية دول الجامعة العربية، بحضور وزير الخارجية السورية، قد ضيع عليهم فرصة وضع الجانب العربي بما فيه الجانب السوري أمام مسؤولياته الموضوعية. وأولى المسؤوليات الموضوعية التي كان يمكن الحديث حولها تتلخص بتحديد المسائل العملية التي ينبغي على الجانب العربي العمل عليها مع سورية والآليات التي يجب العمل من خلالها. لقد كانت الرسالة من خلال الموقف الأوروبي بأن اللاءات السياسية الأوروبية لها أولوية على أية محاولة للاعتراف بواقع موجود ومحاولة حلحلة عقده من الناحية العملية.
ما يلفت النظر هنا أن تاريخ الأزمة السورية أثبت بشكل أو بآخر على أن الوصول إلى حل سياسي جامع مانع مسألة غير ممكنة عملياً تحت الظروف الحالية؛ هذا ما يعني بأنه لم يتبقَ إلا العمل التقني على مسائل عملية بعينها كطريق نحو الحل السياسي، فالمسائل العملية الممكنة من السهل تحديدها ووضعها على طاولة التفاوض. وهو ما قام به المجتمع المدني السوري عملياً في العديد من المبادرات، وخصوصاً مبادرة المدونة السورية التي تحدد أحد عشر بنداً يجب الالتزام بها وضعها موضع التنفيذ حتى يمكن رسم معالم حل ممكن للأزمة السورية. وقد دعا الصحفي وخبير الشرق الأوسط الألماني دانيال غيرلاخ مؤخراً في مقالته المعنونة بنقطة انطلاق مشتركة لأوروبا والعالم العربي في سورية، التي نشرت نسختها العربية على موقع المجلة، الأوروبيين والعرب إلى التوافق على تلك البنود كأسس جديدة لعمل قادم مشترك على الملف السوري.
وعليه تدور الأسئلة الجوهرية في المرحلة القادمة حول إمكانية أن نشهد عملاً عربياً في الملف السوري يقوم على الواقعية التقنية التي يمكن أن تمهد لحل سياسي؟ أو أن الإيديولوجيا الأوروبية والألمانية بشكل خاص والقائمة على وجوب الحل السياسي أو البدء بمشروع حل كأساس لأي حراك في الملف السوري ستعيد فرض نفسها بقوة؟ أو أن تشرذم المواقف الأوروبية بخصوص سورية سيساهم في تعزيز غياب سياسة موحدة تجاه المسألة السورية وتقوية فردية قرارات الدولة الأوروبية بهذا الخصوص؟
ما يمكن للمرء أن يتمناه في هذا المقام ألا يغادر الاتحاد الأوروبي بشكل عام وألمانيا بشكل خاص الملعب السياسي مرة ثانية، وأن يقتنعوا بأن البرغماتية السياسية والتعامل مع الواقع بشكل تقني يمثلان الأعمدة الرئيسية لما هو ممكن في الأزمة السورية.
من هنا، فقرار الاتحاد الأوروبي بإلغاء الاجتماع المقرر بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، الذي هو، عملياً، قرار ألماني، كان مسألة منتظرة؛ إذ إنه من الناحية الشكلية فالأوروبيون عموماً والألمان خصوصاً خرجوا من الملعب السياسي للأزمة السورية مبكراً ولم يعد لهم أية وسيلة للتأثير السياسي على مواقف أطراف النزاع عندما أعلنوا بأن النظام السوري قد فقد شرعيته وقاموا بسحب سفاراتهم من دمشق وأعلنوا المعارضة السورية الخارجية ممثلاً شرعياً ووحيداً بنظرهم للشعب السوري. على أن هذا الموقف لم يكن منذ البداية موقفاً موحداً، فبعض الدول الأوروبية حافظت على علاقاتها السياسية والأمنية مع دمشق، وآخرون قاموا بفتح سفارات في دمشق أو حافظوا على تمثيلهم الدبلوماسي بشكل أو بآخر. وحتى الاتحاد الأوروبي له سفير لسورية يقيم في بيروت ويتردد من هناك باستمرار إلى دمشق.
إلا أن كل هذه المواقف من بعض الدول الأوروبية لم تثنِ الألمان عن التمسك بلاءاتهم الثلاث؛ التي هي لاءات الاتحاد الأوروبي حسب رأيه الرسمي: لا للتطبيع مع نظام الأسد، لا لرفع العقوبات، ولا لإعادة الإعمار دون البدء بخطوات جدية باتجاه حل سياسي. ما يلاحظه المرء أن هذه اللاءات أصبحت مع الزمن تمثل إيديولوجية سياسية عامة، أو ربما ثيولوجيا سياسية خاصة، تطبع الموقف الألماني والأوروبي، على الرغم من اختلاف المواقف بين الأوروبيين. ولعل هذا ما يفسر الارتباك الشديد في الموقف الأوروبي على تعدده، الذي سببه التقارب الخليجي السوري الذي أصبح تقارباً عربياً سورياً انتقل إلى المرحلة المؤسساتية بإعادة سورية إلى الجامعة العربية. ما يثير الاهتمام في هذا المقام، بأن المعادلة هنا لم تخرج حتى عن إطارها الشكلي الذي يرتبط بجلوس المسؤولين السوريين مع العرب وفتح قنوات للنقاش وتبادل الآراء معهم، فمجرد ذلك يثير حفيظة الاتحاد الأوروبي عموماً والألمان بشكل خاص. فالاتحاد الأوروبي ومن ورائه الألمان لم ينتظروا ليعرفوا أجندة التقارب السوري العربي من الناحية الموضوعية؛ أي لم ينتظروا جواباً عن السؤال الأهم الذي يدور حول المسائل العملية التي ستتبع هذا التقارب، التي هي بيت القصيد لحل المعضلة السورية التي أصبح عمرها اثنتي عشرة سنة ونيف.
وتبعاً لذلك، فلا معدى عن القول بأن رفض الأوروبيين الشكلي للجلوس مع وزراء خارجية دول الجامعة العربية، بحضور وزير الخارجية السورية، قد ضيع عليهم فرصة وضع الجانب العربي بما فيه الجانب السوري أمام مسؤولياته الموضوعية. وأولى المسؤوليات الموضوعية التي كان يمكن الحديث حولها تتلخص بتحديد المسائل العملية التي ينبغي على الجانب العربي العمل عليها مع سورية والآليات التي يجب العمل من خلالها. لقد كانت الرسالة من خلال الموقف الأوروبي بأن اللاءات السياسية الأوروبية لها أولوية على أية محاولة للاعتراف بواقع موجود ومحاولة حلحلة عقده من الناحية العملية.
ما يلفت النظر هنا أن تاريخ الأزمة السورية أثبت بشكل أو بآخر على أن الوصول إلى حل سياسي جامع مانع مسألة غير ممكنة عملياً تحت الظروف الحالية؛ هذا ما يعني بأنه لم يتبقَ إلا العمل التقني على مسائل عملية بعينها كطريق نحو الحل السياسي، فالمسائل العملية الممكنة من السهل تحديدها ووضعها على طاولة التفاوض. وهو ما قام به المجتمع المدني السوري عملياً في العديد من المبادرات، وخصوصاً مبادرة المدونة السورية التي تحدد أحد عشر بنداً يجب الالتزام بها وضعها موضع التنفيذ حتى يمكن رسم معالم حل ممكن للأزمة السورية. وقد دعا الصحفي وخبير الشرق الأوسط الألماني دانيال غيرلاخ مؤخراً في مقالته المعنونة بنقطة انطلاق مشتركة لأوروبا والعالم العربي في سورية، التي نشرت نسختها العربية على موقع المجلة، الأوروبيين والعرب إلى التوافق على تلك البنود كأسس جديدة لعمل قادم مشترك على الملف السوري.
وعليه تدور الأسئلة الجوهرية في المرحلة القادمة حول إمكانية أن نشهد عملاً عربياً في الملف السوري يقوم على الواقعية التقنية التي يمكن أن تمهد لحل سياسي؟ أو أن الإيديولوجيا الأوروبية والألمانية بشكل خاص والقائمة على وجوب الحل السياسي أو البدء بمشروع حل كأساس لأي حراك في الملف السوري ستعيد فرض نفسها بقوة؟ أو أن تشرذم المواقف الأوروبية بخصوص سورية سيساهم في تعزيز غياب سياسة موحدة تجاه المسألة السورية وتقوية فردية قرارات الدولة الأوروبية بهذا الخصوص؟
ما يمكن للمرء أن يتمناه في هذا المقام ألا يغادر الاتحاد الأوروبي بشكل عام وألمانيا بشكل خاص الملعب السياسي مرة ثانية، وأن يقتنعوا بأن البرغماتية السياسية والتعامل مع الواقع بشكل تقني يمثلان الأعمدة الرئيسية لما هو ممكن في الأزمة السورية.