-A +A
حسين شبكشي
هناك قاعدة يتفق عليها عدد كبير من علماء النفس أن الإنسان بطبيعته لديه جاذبية تلقائية للأخبار السيئة والسلبية حتى باتت هي العناوين الأساسية في نشرات الأخبار ومواقع الأنباء.

وهذه الأعاصير المتتابعة من شلالات الأخبار السلبية التي تحيط بالمتلقي باتت سبباً واضحاً ومباشراً في تفشي عدد مهول من الأمراض النفسية المختلفة بداية من اضطرابات النوم والتبول اللا إرادي، مروراً بانسداد الشهية، وصولاً إلى الاكتئاب العميق.


وبطبيعة الحال تفاقمت كميات وأعداد الأخبار السيئة مع الانتشار الهائل والعريض لوسائل التواصل الاجتماعي بشتى منصاتها حتى باتت جزءا أساسيا من سلوكيات الناس خلال ممارسة شعائر أيامهم.

ولم يعد فضول الاطلاع والتعرف على الأخبار السلبية مسألة فردية تعنى بالشخص الواحد بعينه ولكنها أصبحت إلى حالة أخرى تشبه «ضرورة جذب الآخرين معي في السلبية»، وبالتالي هذا ما يفسر نشرها في مجموعات التواصل على أجهزة الهاتف المحمول أو على المنصات الأخرى. ولم يعد أحد يقدر ولا يعبأ بالتحذيرات المصاحبة لنشر الأخبار السلبية بهذا الشكل وارتباطها الوثيق جداً بالأمراض النفسية.

وهذا يفتح المجال لأهمية الحديث لماذا ينفر الناس من الاطلاع على الأخبار المبهجة والمسببة في الفرحة، وهي مسألة تستحق البحث بعمق واهتمام. وسائل الإعلام بدون استثناء تميل إلى عرض الأخبار السلبية ولا تبرز الأخبار الإيجابية إلا فيما ندر. فمن المستحيل أن ترى قصة شفاء مريض بشكل إعجازي يحتل بداية نشرة الأخبار قبل تغطية حرب مدمرة أو انتشار وباء أو أزمة اقتصادية مدمرة.

أقدمت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى في الغرب بإطلاق قنوات تلفزيونية متخصصة في الأخبار والمواد الإيجابية بشكل حصري ولكنها لم تلقَ النجاح والجماهيرية المطلوبة ولا الإقبال التجاري المنشود، وبالتالي تم إغلاقها والاكتفاء بالتجربة. وهناك تجربة إيجابية أخرى تستحق التذكير والإشادة وهي تجربة مجلة «هالو» الإنجليزية التي كانت لديها سياسة تحريرية صارمة ومتشددة مفادها أنه لن يتم قبول أي مادة سلبية وأن المواد التي سيسمح بنشرها حصرا هي الأخبار المبهجة والباعثة على الفرحة. واستمرت هذه المجلة بنجاح لفترة مهمة وغير قصيرة وتم إصدار طبعات منها بلغات أخرى من حول العالم بما فيها اللغة العربية ولكنها كحال غيرها من المطبوعات الورقية اختفت عن الساحة بالتدريج حتى أذنت بالرحيل.

ويبقى السؤال قائماً لعلماء الطب النفسي والذي لا يزال بلا إجابة مقنعة ووافية شافية عن سبب إقدام الناس على الاطلاع ونشر الأخبار السلبية بشكل أساسي ومستمر وإذا عرف السبب الطبي وراء ذلك هل سنكون على موعد في المستقبل مع حبة خضراء تمنع هذا الركض المبرح خلف كل ما هو سلبي قد يكون!