-A +A
عبداللطيف الضويحي
يعد الاستثمار أحد أهم مولدات فرص العمل في أي مجتمع بجانب العائدات من الأرباح للمستثمر، ولهذا تتهافت العديد من الدول على استقطاب الاستثمارات الأجنبية فضلاً عن الاستثمارات المحلية لاعتبارات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة. من هنا ترتفع، بالمقابل معايير وشروط المستثمر للحصول على سوق أكثر أماناً وأقل مغامرة، وبالطبع أكثر عائداً وربحيةً، كل هذا يفهمه حتى غير المتخصصين وهذا حق طبيعي وأصيل لهم.

ليست كل قرارات الفرد تعكس الفرد نفسه، فهناك الكثير من القرارات التي يتخذها الفرد بِوحيٍ وتأثيرٍ من محيطه وتقاليده وثقافته المجتمعية بصرف النظر عن مستواه التعليمي والاقتصادي، من ضمنها قراراته الاستثمارية. فهناك فرق بين الاهتمامات والنشاطات الاستثمارية التي يمارسها ويُقدِم عليها من عاش وترعرع في بيئة ريفية زراعية، ونظيره الذي عاش وترعرع في بيئة تجارية والثالث الذي عاش وترعرع في بيئة صناعية، وقد تحدث ابن خلدون عن هذا الجانب في مقدمته وغيره آخرون.


قيم السوق ليست دائماً هي قيم المجتمع. ومقومات ثقافة المجتمع ليست تماماً هي مقومات السوق، قد تلتقي القيم في الحالتين ولا يعني أن قيم السوق تتضاد وتتعارض تماماً مع قيم المجتمع، فمبدأ التجارة سائد ومعمول به عبر التاريخ وعبر كافة الحضارات، غير أن البنية التحتية لتفكير الفرد في بعض المناطق إما مبنيّة ومؤسّسة على قِيم «السوق» أو على قيم «المجتمع». وهذا ما يفسر جزئياً ربما إِحجام نسبة ليست قليلة من الناس في تلك المناطق عن الاستثمار، وذلك ترجمة لقيم نشأتهم ضمن ثقافة «المجتمع» وليس ثقافة «السوق».

هنا نحن بحاجة ربما للتوقف عند بعض مجتمعاتنا المحلية السعودية التي لم تمارس التجارة بشكل واسع ولم تمتهنها بشكل ملحوظ ولم تكن التجارة في صميم ثقافة أهلها، بل كانت ممارسة التجارة في حدودها الدنيا مقارنة بممارسة مهن أخرى مثل الزراعة أو الأعمال الحكومية كمصدر للرزق.

في منطقة الجوف على سبيل المثال لم تكن التجارة من بين المهن البارزة كعمل للأهالي مقارنة بغيرها من المهن إلا قليلا ومتأخراً، بالرغم من أهمية موقعها الجغرافي الإستراتيجي بين الشام واليمن والعراق، وبالرغم من وفرة الموارد وتراكم الحضارات البشرية التي تحكيها معالمها الكثيرة والمنوعة.

أخلص هنا إلى اقتراح لصندوق الاستثمارات العامة، بأن تكون مثل هذه المناطق والمجتمعات المحلية محل اهتمام خاص من قبل الصندوق، وذلك لاستزراع ثقافة الاستثمار وتعزيزها لرفع الوعي وتحريك اقتصادات تلك المجتمعات والمناطق.

لعب صندوق الاستثمارات السعودي دوراً حيويا مؤثراً في الأسواق التي يدخلها نظراً لما له من سمعة محلياً وخارجياً وعلى مختلف الأصعدة و القطاعات ولما لديه من خبرات وخبراء، في مختلف مجالات الاستثمار، فمن أهداف الصندوق «أنه يقوم بدور المحرك لجهود التنويع الاقتصادي الإستراتيجي المستدام، وذلك التزاماً بمستهدفات رؤية 2030».

أتساءل عن بحيرة الجوف التي تعد الأكبر في الجزيرة العربية وإمكانية تأسيس شركة كذراع من أذرع صندوق الاستثمارات في وضع هذه البحيرة على خارطة السياحة المحلية والعالمية والسباقات البحرية الرياضية والمنتجعات خاصة واستزراع الغابات حولها، خاصة وهي في قلب صحراء النفود التي يقصدها السياح صيفاً وشتاءً بصرف النظر عن البحيرة.

إن شركة بحيرة الجوف ستكون أيقونة لثقافة الاستثمار وتفتح الفرص الاستثمارية والسياحية والزراعية والوظيفية للعديد من المواطنين.