-A +A
أسامة يماني
عندما لا يستطيع مجتمع إعمال العقل في شؤون حياته فذلك يعني تخلف المجتمع عن اللحاق بقافلة التقدم والازدهار؛ لأنه فقد محرك المعرفة التي قال عنها «فرنسيس بيكون» قبل ما يقرب أربعة قرون أن «المعرفة قوة». وإذا نظرنا إلى مجتمعاتنا الإسلامية نجدها محكومة بالتراث إي بالعادات والتقاليد التي في معظمها بعيدة عن المعرفة التي تقوم على العقل والتفكير المنهجي العلمي.

علينا أن لا نستعجب أن هناك كثيراً من المنتفعين الذين يرغبون أن يظل المجتمع فاقداً لعقله واستمرار حال اللاوعي على ما هو عليه، فذلك يصب في مصلحتهم. لأن المستفيدين سيفقدون نفوذهم الذي يقوم على استعاضة الشرع الجماعي بالشرع الفردي أو الإقطاعي الذي تنفرد به مؤسسة (جماعة أو فئة) من دون الآخرين وتتكلم باسم الله. لذا لن يصلح حال المجتمع مجموعة قوانين وأنظمة تحسّن من اختناقات وتراكمات عانى منها المجتمع وإن كانت تخفف من الاحتقان، وعليه فمن الضروري العمل على بناء المعرفة في المجتمع ووضع أسس بناء أنظمة معرفية وتحفيز الإبداع والمواهب والأفكار.


‏الثقافة ركن من أركان مشكلة ضياع العقل، فقد هيمنت العقلية النضالية على الساحات الثقافية وعلى الحوارات في الفضائيات، وعلى المشتغلين بشؤون الفكر والمعرفة: إن المجتمع الصحيح لا يمكن أن يقوم إلا إذا اقتلع من بنيانه فكرة العوام من أن المسلمين أحق بالجنة لأنهم أمة محمد هكذا، بغير إيمان سراح ودون أعمال صحاح، إن تكريس المؤسسات التي يسيطر عليها الفكر الديني بأننا خير أمة دون عمل ودون عدالة، فضلاً عن إسهام الأجهزة الحكومية في دعم هذا الفكر الديني، حيث أنشأت الإدارة الحكومية أجهزة للدعوة والإرشاد، وما فتئت المنابر في المساجد تعمل على تكريس العقلية النضالية والجهادية وتكريس التقديس لرجال الدين، وما انفكت المدارس تعلم الطلاب الآراء والاجتهادات البشرية على أساس أنها الدين، كما أن الثقافة المستوردة البعيدة عن واقعنا لها نصيب ودور في منظومة الثقافة العربية، وقد ذهب الكاتب علي حرب في كتابه أوهام النخبة أو نقد المثقف إلى أن: «المثقف بات أعجز من أن يقوم بتنوير الناس، إذ هو الذي أصبح يحتاج إلى تنوير»

ومن هنا تظهر أهمية بناء أنظمة معرفية منهجها الإبداع والموهبة والأفكار الخلاقة والابتكار، ويظهر ذلك من تعريف بناء المعرفة بأنه «خلق المنتجات المفاهيمية واختيارها وتحسينها، ولا تقتصر فقط على التعليم بل تشمل أيضاً أعمال المعرفة الإبداعية بشتى أنواعها».

وعلى سبيل المثال لحاجتنا إلى صياغة مفاهيم جديدة نجد أن لغتنا وثقافتنا لا تعرف المعنى الغربي للحرية، فالحر في تراثنا هو نقيض العبد. لهذا فنحن نحتاج إلى صياغة مفاهيم جديدة للحقيقة والعدالة، أو الحرية والاستنارة، أو الهوية والأمة، فضلاً عن السلطة والدولة والمجتمع.

عودة الوعي والفكر المجتمعي بالتفاعل والإصلاح كنشر المعرفة الذي يجب أن يبدأ من كافة الاتجاهات ويدور على كافة المحاور، بما في ذلك السماح للتنويريين بأن يأخذوا حقهم في طرح أفكارهم، كما يجب على بعض الحكومات وقف غسل المخ الذي يمارس على الأطفال في المدارس وأن توقف أبواق الدعاية للفكر الديني البعيد عن فهم الأهداف التي جاءت بها الرسالات السماوية.

وهناك طرق عدة لنشر المعرفة:

1- تشجيع ودعم التعليم: الاستثمار في التعليم هو واحد من أكثر الطرق فعالية لنشر المعرفة. يمكن للحكومة التركيز على تحسين جودة التعليم وتوفير الفرص للناس للتعلم واكتساب المعرفة.

2- تعزيز القراءة: تشجيع الناس على قراءة المزيد من الكتب والمنشورات. يمكن للحكومة إنشاء نوادٍ للقراءة وتنظيم معارض الكتب لتعزيز القراءة في المجتمع.

3- استخدام التكنولوجيا: مع توافر التكنولوجيا على نطاق واسع، يمكن للحكومة الاستفادة منها لنشر المعرفة من خلال التعليم عبر الإنترنت ومنصات التعلم الإلكتروني.

4- استضافة الندوات وورش العمل: تعد استضافة الندوات وورش العمل طريقة ممتازة لنشر المعرفة والمهارات. يمكن للحكومة دعوة المتحدثين والخبراء المتخصصين لتبادل خبراتهم مع المجتمع.

5- تشجيع البحث: تشجيع الناس على البحث واكتساب المعرفة من خلال أساليب مختلفة، مثل إجراء الدراسات العلمية وتحليل البيانات وتبادل الأفكار مع قادة الفكر الآخرين.

بشكل عام، يتطلب نشر المعرفة وعودة العقل الجهود الجماعية للحكومة وقطاع التعليم والمجتمع، من أجل النمو والازدهار، ومن أجل الاستقرار والتطور.