من الظواهر التي تستحق المراجعة في عالمنا العربي، التباعد حد القطيعة بين الأقوال والأفعال، وإعلاء البعض شأن الأخذ بكل ما تسعفه اللغة من مبررات، والتهوين من شأن العطاء مهما كانت الدواعي والمُسببات، ونحن في وطن معطاء، بقيادة وفيّة تعرفُ وتعترفُ لأصحاب الفضل بفضلهم، والعطاء إعلاء لليد المُعطية، ويد الله هي العُليا.
يمكن لرأس المال أن يكون محايداً، وينأى بنفسه عن إشكالات المجتمعات ذات الحساسية العالية، ويمكنه أن يكون إيجابياً تقدمياً يقبل التحدي، ويشق الطرق الصعبة، مستبعداً كل الحسابات الضيّقة، ومُؤثراً المغامرة المحسوبة، في وقت تفكر فيه بعض رؤوس الأموال في تبني السلبية، تربح وتضخّم وتستمتع دون عكننة، وتحتمي بكثرة المتطلبات والرسوم للتخلي عن أي مسؤوليات، وفك الارتباط مع المجتمعات، والسلبية حالة أنانية، منشأها الحرص الدائم على الربح الذي لا يبالي بالناس، الذي هو جزء منهم، ولعله راكم ثراءه من خيرهم أو بسببهم.
وتعد الشراكة المجتمعية عنوان مرحلة وليست شعاراً مناسباتياً، ولا شكلانية متجسدة مُفرغة من الروح، بل أسلوب للتفكير والسلوك والتعامل، والإسهام في تنمية الوطن دون إقدامٍ يُثقل الإدارة، ولا إحجام يشلّ الإرادة.
وبعض البدايات الطموحة لخدمة المجتمع، بدأت بسيطة، إلا أنها جادة وجديدة، ونجحت في صناعة تاريخها بتراكم صحي وصحيح، وآتت أكلها على مستوى وضع لبنات أساسية للمجتمع الأهلي، فلفتت انتباه الأفراد والمجموعات إلى المؤسسية المدنية، كي لا يكونوا عالةً على إعانات الحكومة في كل مراحلهم.
ورأس المال المُثقّف والمنتمي قوة إضافية للتنمية، إلا أنه ليس قوة بديلة، بل شريكة تستمد قوتها من المظلة الوطنية، ومن المواقف التي تتبناها، والرؤى المنسجمة مع التوجه العام، ومن الأفعال والمنجزات التي تبرزها هذه القوة على أرض الواقع للارتقاء به.
والمجتمع المدني فكر وممارسة، ينقل العمل الأهلي من اجتهادات إلى بنيات ثقافية ومجتمعية وقانونية، ويُشرك القُوى المُنتجة في صناعة مستقبلها، والاعتماد على نفسها، وإضفاء مبنى ومعنى لحياة الإنسان النافع، لا المنتفع، أو النفعي.
ومن يقرأ تاريخ بعض رجال الأعمال يدرك بجلاء أن مواهبهم ليست ذاتية، ومواقفهم النبيلة تقترب من المثالية، فتفكيرهم في ما حولهم أوسع من دائرة الانشغال بمركزية الأنا، فيكبرون في نظر ونظرة المُقيّم الموضوعي، إلا أنهم لا يستكبرون في دواخلهم بل يتواضعون تواضع الكبار.
كانت الباحة، كما هو شأنها، يوم أربعاء من أسبوع مضى، تنقش في وجدان أجيالها، وجبالها، ووديانها ، أسمى آيات العرفان والامتنان لرجل الأعمال المنتمي سعيد بن علي العنقري، ولذات العنقري الحق في حديث طويل بسند متصل، ولصفات (أبو سامي) أبجل النعوت المُشيدات من أرواح عارفيه ومحبيه الكُثر، إلا أن التكريم الذي باركناه وحضرناه وشاركناه كان رداً جميلاً على كفوف بذله وإحسانه التي تصافحنا صباح مساء في أرجاء منطقتنا وغيرها من مناطق المملكة.
وينتسب العنقري إلى جيل الكفاح، بدءاً من طفولته، التي لفتت انتباه أهل قريته، فالرّجُل المعطاء بدأ عملياً مستشعراً مسؤولية (إنسان) منحه الله مواهب، فأدّى حق شكرها، وكان عادة العظماء، يتعلّم الحرف والمهن ليُسهم في تخفيف أعباء الحياة على البسطاء.
ومن يحاول استقصاء تاريخ وإسهام العنقري في محيط منطقة الباحة، سيدرك محبة هذا المبدع لكل أوجه ومناشط الإبداع، ورصده وتلمسه لمواطن الحاجة والبدء بالضروري، وتعزيز الاستدامة، فأنشأ المشاريع، وتبنى الكراسي، وأسس الجمعيات، وفتح الطرق، ورمم القُرى الأثرية، وستظل بصمته الخلاقة تحتفظ بندى الجود على مدى العهود.
ولأن الوطن السعودي وطن الاحتفاء والإشادة بكل فعل مُشرّف، كان التكريم النوعي، من رجال أوفياء، كرموا وطناً في إنسان، احتفى بناسه، وتتبع مظان الموهبة بينهم ليأخذ بيدها، وسابق لفكرة الشراكة المجتمعية والعمل الأهلي، فكان الاعتراف بالفضل ومقابلة الإحسان بالإحسان.
لم تغفل جامعة الباحة جهود العنقري، وعنايته بالزراعة وتنمية الريف، فتبنت كرسياً لزراعة الزيتون باسمه، ولم يغب عن ذهن أدبي المنطقة إطلاق اسمه على قاعته الكُبرى، لإتمامه البناء ودعم النادي، ولم تكن الجمعية الاستهلاكية آخر مبادراته، فهو بيننا يُصغي ويقيّم، ويقدم أنبل نموذج في خدمة منطقة لها على رجال أعمالها الكثير من الحقوق.
هناك من يكتب رسائل ماجستير ودكتوراه عن شخصيات لم تورّث سوى الأقوال مع الإقرار بأهمية كثير منها، فأين الدراسات لشخصيات، انتماؤها بالأفعال لا الأقوال، وشتان بين من يكتب عن شخص قال، ومن يكتب عن شخص فعل، علماً بأنّ في كلٍّ خيراً.
ربّما يُجمّل المال الكثيرين ممن جاءهم صدفة أو على غفلة، فيما النوادر هم الذين يُجمّلون المال بخصال الرقي والرقة، وإذا كان المال يضع صاحبه في العين والشاشة، فإن مال العنقري وعطاءه ومن هم على شاكلته نحت أسماءهم في جدران الوعي، وفي نبض الخافق.
ليس مستغرباً ولا مستكثراً من الأوفياء، تقديرهم للعطاء، وتثمينهم للوفاء، ولعّل الزمن يعاقب جاحدي الفضل بفقدان الذاكرة المُبكّر، فيما تظل ذاكرة المعترفين بالفضل حيوية وحيّة كون الجزاء من جنس العمل، والمجتمعات التي لا تنكر الجميل تستحق من يحتفي بها، ويعتني بمكانها وإنسانها.
العنقري، آدمي كما يقول أهلنا في الشام عن الوجهاء، «وعِرْبِي ياعى ويدّعي» كما يُطلق أقاربنا على الأوفياء، وإنسان كما يعترف لذوي الفضل الفضلاء، إنسان عندما تبرعمت فيه المواهب، وإنسان عندما اعترضته النوائب، وإنسان عندما جاءته المكاسب والمناقب.
سألني سائل، لماذا تكريم العنقري؟ فقلت، لأنه ابن ناس.
يمكن لرأس المال أن يكون محايداً، وينأى بنفسه عن إشكالات المجتمعات ذات الحساسية العالية، ويمكنه أن يكون إيجابياً تقدمياً يقبل التحدي، ويشق الطرق الصعبة، مستبعداً كل الحسابات الضيّقة، ومُؤثراً المغامرة المحسوبة، في وقت تفكر فيه بعض رؤوس الأموال في تبني السلبية، تربح وتضخّم وتستمتع دون عكننة، وتحتمي بكثرة المتطلبات والرسوم للتخلي عن أي مسؤوليات، وفك الارتباط مع المجتمعات، والسلبية حالة أنانية، منشأها الحرص الدائم على الربح الذي لا يبالي بالناس، الذي هو جزء منهم، ولعله راكم ثراءه من خيرهم أو بسببهم.
وتعد الشراكة المجتمعية عنوان مرحلة وليست شعاراً مناسباتياً، ولا شكلانية متجسدة مُفرغة من الروح، بل أسلوب للتفكير والسلوك والتعامل، والإسهام في تنمية الوطن دون إقدامٍ يُثقل الإدارة، ولا إحجام يشلّ الإرادة.
وبعض البدايات الطموحة لخدمة المجتمع، بدأت بسيطة، إلا أنها جادة وجديدة، ونجحت في صناعة تاريخها بتراكم صحي وصحيح، وآتت أكلها على مستوى وضع لبنات أساسية للمجتمع الأهلي، فلفتت انتباه الأفراد والمجموعات إلى المؤسسية المدنية، كي لا يكونوا عالةً على إعانات الحكومة في كل مراحلهم.
ورأس المال المُثقّف والمنتمي قوة إضافية للتنمية، إلا أنه ليس قوة بديلة، بل شريكة تستمد قوتها من المظلة الوطنية، ومن المواقف التي تتبناها، والرؤى المنسجمة مع التوجه العام، ومن الأفعال والمنجزات التي تبرزها هذه القوة على أرض الواقع للارتقاء به.
والمجتمع المدني فكر وممارسة، ينقل العمل الأهلي من اجتهادات إلى بنيات ثقافية ومجتمعية وقانونية، ويُشرك القُوى المُنتجة في صناعة مستقبلها، والاعتماد على نفسها، وإضفاء مبنى ومعنى لحياة الإنسان النافع، لا المنتفع، أو النفعي.
ومن يقرأ تاريخ بعض رجال الأعمال يدرك بجلاء أن مواهبهم ليست ذاتية، ومواقفهم النبيلة تقترب من المثالية، فتفكيرهم في ما حولهم أوسع من دائرة الانشغال بمركزية الأنا، فيكبرون في نظر ونظرة المُقيّم الموضوعي، إلا أنهم لا يستكبرون في دواخلهم بل يتواضعون تواضع الكبار.
كانت الباحة، كما هو شأنها، يوم أربعاء من أسبوع مضى، تنقش في وجدان أجيالها، وجبالها، ووديانها ، أسمى آيات العرفان والامتنان لرجل الأعمال المنتمي سعيد بن علي العنقري، ولذات العنقري الحق في حديث طويل بسند متصل، ولصفات (أبو سامي) أبجل النعوت المُشيدات من أرواح عارفيه ومحبيه الكُثر، إلا أن التكريم الذي باركناه وحضرناه وشاركناه كان رداً جميلاً على كفوف بذله وإحسانه التي تصافحنا صباح مساء في أرجاء منطقتنا وغيرها من مناطق المملكة.
وينتسب العنقري إلى جيل الكفاح، بدءاً من طفولته، التي لفتت انتباه أهل قريته، فالرّجُل المعطاء بدأ عملياً مستشعراً مسؤولية (إنسان) منحه الله مواهب، فأدّى حق شكرها، وكان عادة العظماء، يتعلّم الحرف والمهن ليُسهم في تخفيف أعباء الحياة على البسطاء.
ومن يحاول استقصاء تاريخ وإسهام العنقري في محيط منطقة الباحة، سيدرك محبة هذا المبدع لكل أوجه ومناشط الإبداع، ورصده وتلمسه لمواطن الحاجة والبدء بالضروري، وتعزيز الاستدامة، فأنشأ المشاريع، وتبنى الكراسي، وأسس الجمعيات، وفتح الطرق، ورمم القُرى الأثرية، وستظل بصمته الخلاقة تحتفظ بندى الجود على مدى العهود.
ولأن الوطن السعودي وطن الاحتفاء والإشادة بكل فعل مُشرّف، كان التكريم النوعي، من رجال أوفياء، كرموا وطناً في إنسان، احتفى بناسه، وتتبع مظان الموهبة بينهم ليأخذ بيدها، وسابق لفكرة الشراكة المجتمعية والعمل الأهلي، فكان الاعتراف بالفضل ومقابلة الإحسان بالإحسان.
لم تغفل جامعة الباحة جهود العنقري، وعنايته بالزراعة وتنمية الريف، فتبنت كرسياً لزراعة الزيتون باسمه، ولم يغب عن ذهن أدبي المنطقة إطلاق اسمه على قاعته الكُبرى، لإتمامه البناء ودعم النادي، ولم تكن الجمعية الاستهلاكية آخر مبادراته، فهو بيننا يُصغي ويقيّم، ويقدم أنبل نموذج في خدمة منطقة لها على رجال أعمالها الكثير من الحقوق.
هناك من يكتب رسائل ماجستير ودكتوراه عن شخصيات لم تورّث سوى الأقوال مع الإقرار بأهمية كثير منها، فأين الدراسات لشخصيات، انتماؤها بالأفعال لا الأقوال، وشتان بين من يكتب عن شخص قال، ومن يكتب عن شخص فعل، علماً بأنّ في كلٍّ خيراً.
ربّما يُجمّل المال الكثيرين ممن جاءهم صدفة أو على غفلة، فيما النوادر هم الذين يُجمّلون المال بخصال الرقي والرقة، وإذا كان المال يضع صاحبه في العين والشاشة، فإن مال العنقري وعطاءه ومن هم على شاكلته نحت أسماءهم في جدران الوعي، وفي نبض الخافق.
ليس مستغرباً ولا مستكثراً من الأوفياء، تقديرهم للعطاء، وتثمينهم للوفاء، ولعّل الزمن يعاقب جاحدي الفضل بفقدان الذاكرة المُبكّر، فيما تظل ذاكرة المعترفين بالفضل حيوية وحيّة كون الجزاء من جنس العمل، والمجتمعات التي لا تنكر الجميل تستحق من يحتفي بها، ويعتني بمكانها وإنسانها.
العنقري، آدمي كما يقول أهلنا في الشام عن الوجهاء، «وعِرْبِي ياعى ويدّعي» كما يُطلق أقاربنا على الأوفياء، وإنسان كما يعترف لذوي الفضل الفضلاء، إنسان عندما تبرعمت فيه المواهب، وإنسان عندما اعترضته النوائب، وإنسان عندما جاءته المكاسب والمناقب.
سألني سائل، لماذا تكريم العنقري؟ فقلت، لأنه ابن ناس.