-A +A
أسامة يماني
التقارير الصحفية الغربية والمقالات والبحوث كلها ممولة من جهات غير منتخبة ولا تمثل المواطن الغربي، وتعمل لخدمة مصالح حكومة الظل التي تسيطر على كل شيء، وتدعم توجهاتها على المدى القصير والطويل. أمام هذا العملاق الإعلامي الذي يسعى إلى الهيمنة والتحكم في البشر في جميع أنحاء العالم تضيع الحقيقة.

الفوضى أحد أسلحة الغرب للهيمنة والاستعمار الحديث، الذي يسعى باسم الديموقراطية إلى زعزعة الاستقرار والقضاء على هيبة الدولة وشيطنة رجالاتها. وبالمخالفة للقوانين الدولية التي لا تقيم لها في الواقع القوى الغربية أي احترام نجد أن سياسة الانقلابات هي التي سادت في العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وبهذا تمكن الغرب من استمرار تخلف معظم العالم نتيجة الصراعات والرغبات الشخصية بعيداً عن مصلحة المجتمع، مما أدى إلى استمرار قبضة وهيمنة الغرب على العالم.


أجهزة الاستخبارات الغربية تقوم بكل ما لا يمكن القيام به في العلن، وتعمل هذه الأجهزة بالتعاون اللصيق مع الإعلام الغربي لتمرير الرسائل وتغليف الحقائق وإخفائها عن السطح. (فاغنر) هذه الشركة التي ظهرت بعمل استخباراتي روسي لتقوم بأعمال مشابهة لما يعرف في الغرب بـ(بلاك ووتر)؛ التي تأسست وفقاً للقوانين الأمريكية بالاعتماد على مرتزقة من المتقاعدين والقوات الخاصة من مختلف أنحاء العالم. وتوقع الشركة عقوداً مع حكومات في دول عديدة من أجل تقديم خدماتها لها بعد موافقة حكومة الولايات المتحدة. يتقاضى المنتمون إليها تعويضات مالية مغرية مقابل الخدمات التي يقدمونها. و(بلاك ووتر) عملت في العراق على سبيل المثال.

المشهد يؤكد أن هناك حرباً استخباراتية تجري على كل الأصعدة بين الغرب؛ سواء الإعلامية أو العسكرية والاقتصادية وغير ذلك. والساحة الإعلامية خير مكان لتمرير الرسائل ولخلط الأوراق، وعلى سبيل المثال

أفادت صحيفة (نيويورك تايمز) بأن الجنرال سيرغي سوروفيكين نائب قائد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا كان على علم مسبق بأن يفغيني بريغوجين قائد مجموعة (فاغنر) العسكرية الخاصة يخطط للتمرد على مسؤولي الدفاع الروس. هذا الخبر الصحفي قد يكون الهدف وراءه التشكيك في بعض القيادات التي أثبتت كفاءتها.

الفرق الكبير بين (فاغنر) و(بلاك ووتر) أن (فاغنر) يقاتل في الجبهات الأمامية المتاخمة لروسيا في حين أن (بلاك ووتر) يعمل خارج الولايات المتحدة الأمريكية. حاولت الاستخبارات الغربية الاستفادة من هذا الوضع ومن طموحات رئيس (فاغنر) بريغوجين وزعزعة الأوضاع في روسيا. في الوقت ذاته أن القيادة الروسية أرادت تصحيح الأوضاع، والتخلص مما يبدو أشبه بـ«الميليشيات العسكرية التي تناثرت على جسد التشكيلات العسكرية الرسمية»؛ على حد تعبيرها، بما تطلب تقنين وجودها ولمّ شملها تحت قيادة عسكرية موحدة. الأمر الذي رفضته قيادة فاغنر، أن تنبه القيادة الروسية يكشف عن مدى قوة الحرب الاستخباراتية التي يدور رحاها بين الغرب وبين روسيا.

تمرد (فاغنر) على القيادة العسكرية قد يكون، كما أشارت بعض التقارير، أنه تمثيلية استخباراتية روسية على الاستخبارات الغربية، أرادت منها القيادة الروسية، أيضاً، اكتشاف مواطن الخلل والمندسين في الداخل الروسي وتحصيل ما يفوق الستة مليارات دولار من الغرب الذي قام بدفعها لصالح عملية التمرد. المؤكد أن الحرب رغم مساوئها وفظائعها، إلا أنها على الجانب الآخر تعطي وتقدم الدروس والعبر وتساعد على التطوير والاختراع والإبداع.

الدرس الأول المستفاد من تمرد (فاغنر) أهمية الجبهة الداخلية واستقرارها، وعدم وجود أكثر من قيادة، وخطورة الطموحات الشخصية التي لا تكترث للوطن والمصالح العليا والمليشيات التي تحركها المصالح الخاصة.