-A +A
نجيب يماني
في كل مناسبة يخرج علينا بعض الدعاة المنسيين بعد أن بار سوقهم وكسدت بضاعتهم ولم يعد أحد من العقلاء يصدقهم أو يأخذ بأكاذيبهم وأباطيلهم التي كانوا يسوقونها في تنطع ممقوت وتشدد مزموم بعد أن تعايش الناس مع وسطية هذا الدين ويسره

يخفون كل رأي فقهي لا يناسب توجهاتهم وأنه لا توجد في المسألة آراء أخر.


تجاهلوا تحذير رسول الله عليه الصلاة والسلام إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين، ناصحاً أمته بأن لا يشددوا على أنفسهم فيشدد الله عليهم.

وقد كنا أن نُغلب على ديننا ونصبح كما قال إبو يعلى في حديثه المرفوع إلى رسول الله أن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبها عليهم.

فالحمد لله على نعمة الإسلام ويسره ووسطيته التي حمل لواءها من شرح الله صدره بنور الحق ونصره بدحض الباطل فصدح بها صراحة (سنقضي على التطرف وسنعود إلى الإسلام الوسطي ولن تضيع 30 سنة في التعامل مع أي أفكار متطرفة). وقد كان والحمد لله.

رمت وسائل التواصل بمقطع لأحدهم وهو يقول (سمعت عن شخص أنه ليس عنده نية بأن يضحي وعذره أن الأضاحي غالية، وهي سنّة، رغم أن أموره جيدة. ويضيف إننا نسافر ونسكن الفنادق الفخمة المطلة على البحار ونتهرب من الأضحية، ويقول هل نتردد في السفريات وشراء الكماليات والسيارة الفاخرة ونقول الأضحية غالية وأنها سنّة).

أقول لصاحب المقطع هي فعلاً سنّة بقوله وفعله عليه الصلاة والسلام وعند كافة المذاهب وليس كما ادعيت أن الأضحية واجبة وأنها ملزمة للمسلم.

ولا يمكن أن تقارن بين عبادة مثل الأضحية وعادة مثل السفر وشراء سيارة.

يقول نبي الأمة (ثلاث كُتبت عليّ وهن لكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى).

فهي تطوع والتطوع المقصود به النوافل فتبقى جميع النوافل على حالها هي تطوع حتى ينتهي منها.

الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام فعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان يذبح بعد صلاة الفجر والعيد ويقول إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنّتنا.

روى جابر أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قضى خطبته نزل عن منبره فأتى بكبش فذبحه بيده وقال: بسم الله والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضحِ من أمتي.

وقد عرّفها الفقهاء بأنها اسم لما يذكى من النعم بنية القربى إلى الله، وهي سنّة مؤكدة لا يأثم تاركها ويثاب فاعلها. فلو كانت واجبة كما يدعي صاحب المقطع لأنكر على من لم يضح مع قدرته عليها. فقد روى الشعبي عن أبي شريحة الغفاري قال: أدركت أبا بكر وعمر لا يضحيان السنة والسنتين كراهية أن يقتدى بهما وهما لا يتركان واجباً، فدل فعلهما على عدم وجوب الأضحية.

وفي مصنف عبدالرزاق عن أبي مسعود الأنصاري قوله إني لأدع الأضحية وإني لموسر مخافة أن يرى أحد جيراني أنه حتم علي. كما ثبت أن بعض الصحابة لا يضحون مع يسارهم وقدرتهم على التضحية، ولم ينكر عليهم نبي الرحمة فعلهم كما روي عن أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا لا يضحون في الحج.

وهذه بعض من أدلة تخالف ما قاله الداعي في مقطعه المرسل.

هناك شروط للمضحي منها أن يكون له تمام الملك على ما يضحي به، أو مأذون له من قبل مالكها بالتضحية بها، فلو ذبحها غير مالكها عنه بغير إذنه ففي المسألة خلاف. وأن يكون مستطيعاً قادراً على ثمنها، بالغاً عاقلاً رشيداً مقيماً، فلا تشرع في حق المسافر، وهذه حجة على الداعية الذي استشهد بعالم فَقِيه مشهور فقير لم يذكر اسمه استلف بعض المال ليضحي، رغم أن من شروطها الاستطاعة كما هي شعيرة الحج. فلا بد أن يكون قادراً حتى يحج، وكذلك مقتدراً إذا أراد أن يضحي.

إن الأُضْحِيَّة سُنة مؤكدة على القادر، وأما غير القادر على ثمنها فلا تجب عليه ولا يجب عليه أن يستدين من أجل فعلها؛ لقوله تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»

ولكن مع الأسف هذا الداعي قال برأيه الذي يناسب مسألته وأهمل الأقوال الأخرى، وهذا دأبهم التضييق على المسلمين وإحراجهم وخلق البلبلة في نفوسهم؛ فلم يكتفوا بجعل الأضحية واجبة فأحاطوها بعدد من الطقوس والواجبات بعدم قص الأظافر وحلق الشعر وغيره، وهي مسألة محل خلاف فلا يجبر عليه أحد من الناس.

الدنيا قامت على مصالح العباد وعلى القسطاس والعدل وليست على الأهواء؛ فحكم الأضحية سنّة والسنّة لا يعاقب تاركها ويثاب فاعلها.

أسعار الأضاحي ارتفعت بشكل مبالغ فيه رغم حرص الدولة على تنوع الاستيراد من عدة دول، فإذا وجد المسلم أن السلعة غالية عليه فعليه الأخذ بالقانون العمري عندما اشتكى إليه الناس غلاء اللحوم وطلبوا أن يسعرها لهم، فقال: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فكان قانونه (اتركوه لهم يرخص).

إننا لسنا في حاجة إلى فَقِيه يحفظ النصوص لكن نحتاج إلى من يعيش الواقع ويتفاعل معه.