من أهم مشاكل صيغة الدولة القومية الحديثة عدم استقرار نظامها السياسي. هذه المشكلة هي معضلة النظرية السياسية المستعصية، التي تتمثل أساساً، في متغير القوة. القوة كانت وما زالت هي العامل الأساس وراء السلوك السياسي، وسيلةً وغايةً معاً. ما لم يتم تطوير آلية فعّالة كفء للحفاظ على توازن مرن للقوة بين أطراف العملية السياسية، لا يمكن ضمان استقرار فعّال ومستدام، حتى في أكثر أنظمة الحكم استقراراً وتوازناً.
الديمقراطية، كآلية لضمان الحد الأدنى لاستقرار النظام السياسي، ليس بالضرورة الوثوق بفاعليتها وكفاءتها، في إحداث الاستقرار السياسي المنشود. الأنظمة الديمقراطية، إن تَبَدّت (ظاهرياً) فاعليتها في إحداث الاستقرار السياسي، إلا أنه لا يمكن بموجبها بناء نظرية سياسية تقطع باستدامة فاعليتها وكفاءتها، يمكن علمياً تعميمها والقطع بجدارتها الأكاديمية في استشراف حركة السلوك السياسي.
هناك قاعدة سياسية أكثر تفسيراً للسلوك السياسي من آلية الديمقراطية تَنَبّه لها السفسطائيون، قبل محاولات الفلاسفة منذ سقراط إلى الوقت الحاضر. السفسطائيون كانوا يرون أن عنصر القوة هو أساس شرعية أي نظام سياسي. الشرعية هنا لا ترتبط بأي متغير أخلاقي أو فلسفي أو قانوني، بل ترتبط بواقعية حركة الصراع على السلطة وغايته. من يستطع أن يفرض سلطته عن طريق القوة، يحتفظ بشرعية «مؤقتة»، حتى يظهر من يتحدى هذه السلطة، والإخلال بتوازن القوة القائم. طالما أن توازن القوى في المجتمع قائم، بغض النظر من هو في السلطة، فإنه يمكن القول: إن هناك شرعية ما للنظام السياسي، بغض النظر عن طبيعة وتوجه النخبة السياسية الحاكمة.
الغريب، هنا: أن مشكلة استقرار الدولة حديثاً تكمن في أسس شرعيتها السياسية (الرئيس) متمثلاً في احتكارها الحصري لقوة القهر والإجبار. ومن ثَمّ، يكمن استقرار النظام السياسي بصورة أساسية، في مدى قدرة وفاعلية رموز ومؤسسات الحكم (المدنية) السيطرة على ما يمكن وصفه بـ «غول» متغير القوة، هذا. بالتالي: ليس هناك من ضمانة عملية للتحكم في حركة متغير القوة والحيلولة دون انفلات هذا «الغول» من أصفاده، طالما متغير القوة هذا حكر على من يحمل السلاح، فعلياً، في المجتمع، تحديداً (العسكر).
تاريخياً: التغيير الجذري في تركيبة بِناء الدولة عادةً ما يحدث عن طريق العنف، بالذات العسكر.. ومن يميل إليهم العسكر.. ومن يستطيع استمالة العسكر، من أطراف الصراع السياسي. حتى في حالة الثورات، لا يمكن نجاحها إلا باستمالة العسكر، أو على الأقل تحييدهم. هذه قاعدة، لا يستثنى منها أي نظام سياسي، مهما تجذرت فيه ثقافة التداول السلمي للسلطة. المجتمعات الديمقراطية، رغم عراقة ثقافة المجتمع المدني فيها، غير عصية (تماماً) على تمرد العسكر ومقاومة إغراء الاستيلاء على السلطة عندهم. أحداث السادس من يناير 2021 في الولايات المتحدة أظهرت كم هي الديمقراطية هشة، لولا بقية من انضباط الجيش الأمريكي و«ولائه» للدستور. لكن ماذا لو أن الجيش مال لترمب في تلك الأحداث.. ماذا لو كان (مايكل فلين) هو رئيس الأركان، وليس (مارك ميلي)، وأخيراً: ماذا لو فرض الجيش الرئيس الجديد وصَحِبه الدخول للبيت الأبيض، لو رفض الرئيس ترمب الخروج منه.
لكن مؤخراً ثبت أن «سيناريوهات» تدخل العسكر في العملية السياسية أو ضمان بقائهم فيها، لم يعد بتلك السهولة والسلاسة. قديماً: كان يكفي العسكر عدد من الدبابات لمحاصرة مؤسسات الدولة.. واعتقال رموز السلطة.. والاستيلاء على الإذاعة، لإنجاح استيلائهم على السلطة. مؤخراً: ثبت أن هذا «السيناريو» لم يعد سهلاً، كما لم يعد أقل عنفاً أو أضيق نطاقاً. مقولة: الانقلاب الأبيض، وسرعة السيطرة، أضحت من أساطير الأولين.
عندنا اليوم نموذجان حيان لفرضية أن الانقلابات العسكرية، لم تعد سهلة.. ويصعب التحكم في حركة العنف المتولدة عنها. انقلاب السودان في شهره الثالث، ولم تنجح محاولة تغيير النخبة السياسية الحاكمة، التي هي أساساً عسكرية، دعك من تصور إمكانية وصول المدنيين للحكم. في روسيا لم يصمد تمرد فصيل فاغنر العسكري لأكثر من يوم واحد. في السودان تحول الأمر إلى حربٍ أهلية.. وفي روسيا كاد الأمر يتطور إلى حربٍ أهلية.
بدون السيطرة الفعلية على آلة العنف والقهر في المجتمع، يكون استقرار المجتمعات الحديثة تحت رحمة متغير القوة (العسكر)، الذي هو (هم) بمثابة البراكين الخامدة، التي يمكن أن تثور في أي وقت.
الديمقراطية، كآلية لضمان الحد الأدنى لاستقرار النظام السياسي، ليس بالضرورة الوثوق بفاعليتها وكفاءتها، في إحداث الاستقرار السياسي المنشود. الأنظمة الديمقراطية، إن تَبَدّت (ظاهرياً) فاعليتها في إحداث الاستقرار السياسي، إلا أنه لا يمكن بموجبها بناء نظرية سياسية تقطع باستدامة فاعليتها وكفاءتها، يمكن علمياً تعميمها والقطع بجدارتها الأكاديمية في استشراف حركة السلوك السياسي.
هناك قاعدة سياسية أكثر تفسيراً للسلوك السياسي من آلية الديمقراطية تَنَبّه لها السفسطائيون، قبل محاولات الفلاسفة منذ سقراط إلى الوقت الحاضر. السفسطائيون كانوا يرون أن عنصر القوة هو أساس شرعية أي نظام سياسي. الشرعية هنا لا ترتبط بأي متغير أخلاقي أو فلسفي أو قانوني، بل ترتبط بواقعية حركة الصراع على السلطة وغايته. من يستطع أن يفرض سلطته عن طريق القوة، يحتفظ بشرعية «مؤقتة»، حتى يظهر من يتحدى هذه السلطة، والإخلال بتوازن القوة القائم. طالما أن توازن القوى في المجتمع قائم، بغض النظر من هو في السلطة، فإنه يمكن القول: إن هناك شرعية ما للنظام السياسي، بغض النظر عن طبيعة وتوجه النخبة السياسية الحاكمة.
الغريب، هنا: أن مشكلة استقرار الدولة حديثاً تكمن في أسس شرعيتها السياسية (الرئيس) متمثلاً في احتكارها الحصري لقوة القهر والإجبار. ومن ثَمّ، يكمن استقرار النظام السياسي بصورة أساسية، في مدى قدرة وفاعلية رموز ومؤسسات الحكم (المدنية) السيطرة على ما يمكن وصفه بـ «غول» متغير القوة، هذا. بالتالي: ليس هناك من ضمانة عملية للتحكم في حركة متغير القوة والحيلولة دون انفلات هذا «الغول» من أصفاده، طالما متغير القوة هذا حكر على من يحمل السلاح، فعلياً، في المجتمع، تحديداً (العسكر).
تاريخياً: التغيير الجذري في تركيبة بِناء الدولة عادةً ما يحدث عن طريق العنف، بالذات العسكر.. ومن يميل إليهم العسكر.. ومن يستطيع استمالة العسكر، من أطراف الصراع السياسي. حتى في حالة الثورات، لا يمكن نجاحها إلا باستمالة العسكر، أو على الأقل تحييدهم. هذه قاعدة، لا يستثنى منها أي نظام سياسي، مهما تجذرت فيه ثقافة التداول السلمي للسلطة. المجتمعات الديمقراطية، رغم عراقة ثقافة المجتمع المدني فيها، غير عصية (تماماً) على تمرد العسكر ومقاومة إغراء الاستيلاء على السلطة عندهم. أحداث السادس من يناير 2021 في الولايات المتحدة أظهرت كم هي الديمقراطية هشة، لولا بقية من انضباط الجيش الأمريكي و«ولائه» للدستور. لكن ماذا لو أن الجيش مال لترمب في تلك الأحداث.. ماذا لو كان (مايكل فلين) هو رئيس الأركان، وليس (مارك ميلي)، وأخيراً: ماذا لو فرض الجيش الرئيس الجديد وصَحِبه الدخول للبيت الأبيض، لو رفض الرئيس ترمب الخروج منه.
لكن مؤخراً ثبت أن «سيناريوهات» تدخل العسكر في العملية السياسية أو ضمان بقائهم فيها، لم يعد بتلك السهولة والسلاسة. قديماً: كان يكفي العسكر عدد من الدبابات لمحاصرة مؤسسات الدولة.. واعتقال رموز السلطة.. والاستيلاء على الإذاعة، لإنجاح استيلائهم على السلطة. مؤخراً: ثبت أن هذا «السيناريو» لم يعد سهلاً، كما لم يعد أقل عنفاً أو أضيق نطاقاً. مقولة: الانقلاب الأبيض، وسرعة السيطرة، أضحت من أساطير الأولين.
عندنا اليوم نموذجان حيان لفرضية أن الانقلابات العسكرية، لم تعد سهلة.. ويصعب التحكم في حركة العنف المتولدة عنها. انقلاب السودان في شهره الثالث، ولم تنجح محاولة تغيير النخبة السياسية الحاكمة، التي هي أساساً عسكرية، دعك من تصور إمكانية وصول المدنيين للحكم. في روسيا لم يصمد تمرد فصيل فاغنر العسكري لأكثر من يوم واحد. في السودان تحول الأمر إلى حربٍ أهلية.. وفي روسيا كاد الأمر يتطور إلى حربٍ أهلية.
بدون السيطرة الفعلية على آلة العنف والقهر في المجتمع، يكون استقرار المجتمعات الحديثة تحت رحمة متغير القوة (العسكر)، الذي هو (هم) بمثابة البراكين الخامدة، التي يمكن أن تثور في أي وقت.