من إحدى أهم صفات المحاور أو المفاوض العربي السياسي أو القريب من السياسة عندما يتحدث في مقابل طرف آخر في لقاء أو حوار علني عموماً، أنه يحاول أن يكون على قدر عال من الدبلوماسية في الطرح؛ أي أنه يحاول تجنب الحديث عن نقاط الخلاف الساخنة في المواقف، أو على الأقل يحاول أن يضعها في قالب يخفف من حدة النقاش ويمتص التوتر العام المحيط بالموضوع. من هنا فإن خروج المحاور العربي عن هذه الخصيصة واستخدامه لهجة شديدة في النقاش العلني يشير بشكل لا يدع مجالاً للتأويل على الرغبة العارمة لديه بوضع أطر جديدة ليس فقط لعملية الحوار، بل للعلاقة ككل مع من يجلس على الطرف الآخر من الطاولة.
من يراقب بشكل أو بآخر النقاشات التي دارت في برلين قبل بضعة أيام ضمن فعاليات مؤتمر الحوار الألماني-الخليجي الخامس حول الأمن والتعاون يستشعر بأن الهدف الذي كان مقرراً أن يسعى له الحوار؛ أي التركيز على الشراكة الإستراتيجية في مجال العلاقات الخارجية والأمنية والاقتصادية بين الطرفين هو مسألة لم تتعدَ حدود عنوان أكاديمي تم التوافق عليه. وإذا كان هذا العنوان قد تم وضعه من قبل المؤسسة أو المؤسسات الألمانية المشرفة على تنظيم هذا الحدث، فالواضح بأنه مثل رغبة أحادية الجانب من قبل الألمان، دون الالتفات إلى الطريقة الجديدة التي يتعامل بها الجانب الخليجي في تلك الشراكة. ما أكد ذلك هي الطريقة التي تعامل بها الجانب الألماني مع كافة المسائل المطروحة، إذ لم يسمع المرء أي جديد بخصوص إستراتيجية ألمانية في الملفات الستة التي سماها الجانب الخليجي بوضوح، وهي: القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، إيران وملفها النووي وسياساتها في المنطقة، الصراع في اليمن، الأزمة السورية، الوضع في العراق والحرب الروسية الأكرانية.
بل على العكس من ذلك فقد أظهرت النقاشات في المؤتمر بأن المواقف الألمانية في أغلب تلك الملفات لا تلبي المطالب الخليجية بأي شكل من الأشكال، لا بل قد تعارضها بشكل واضح وجلي أحياناً. فالألمان مثلاً -كما عبر الكثير من المتحدثين الخليجيين- كانوا ولا يزالون ينظرون إلى إيران على أنها الملف الأهم في الخليج؛ فقد تم التركيز في السابق على التوصل إلى اتفاق نووي معها، ومن ثم توسيع العلاقات الاقتصادية دون أن يقام أي اعتبار لتحفظات دول الخليج الأمنية على إيران وملفها النووي وتسليحها ودورها في تأجيج نزاعات المنطقة. وحتى بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ما زال الألمان يصرون على أن التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران أحد أهم مرتكزات حفظ الأمن في الخليج. واللافت للنظر من خلال الحوارات التي دارت في المؤتمر بأن المتحدثين الألمان ارتبكوا عندما دخل الخليجيون بقوة في النقاش، مطالبين أيضاً بحقهم في الاستخدام السلمي للطاقة النووية أسوة بالإيرانيين. والأكثر من ذلك بأن المحاورين الألمان لم يتمكنوا حتى عن الإجابة على السؤال المحق الذي طرحه الخليجيون حول ضرورة اعتراف الألمان بمبدأ التوازن الإستراتيجي في منطقة الخليج؛ أي بما معناه وجوب اعترافهم بأن لدول الخليج الحق بامتلاك السلاح النووي في حال ملكت إيران هذا السلاح، أسوة -مثلاً- بالحالة الهندية الباكستانية وامتلاك البلدين للسلاح النووي.
على أنه يجب هنا الاعتراف بأن الخليج يسعى إلى خلق توازن متعدد الأقطاب مع إيران، الذي ظهر واضحاً من خلال التقارب السعودي الإيراني الأخير. ولعل العامل الدولي في هذا التقارب والاعتماد على الصين كوسيط وضامن لحقبة جديدة في العلاقات السعودية الإيرانية له دلالاته التي تعكس من جهة الريبة الخليجية من المواقف الأوروبية عموماً -والألمانية خصوصاً محور اهتمامنا هنا- لأن تلك المواقف لم ولن تعير أي اهتمام للاحتياجات الأمنية الداخلية أو الإقليمية لدول الخليج. كما أنه يظهر، من جهة أخرى، فهماً خليجياً جديداً لإستراتيجية تعدد الأقطاب، ويؤكد على أن أي شراكة مع الألمان والأوروبيين بشكل عام -أو أي حوار حول تلك الشراكة لن تضع أطره برلين أو باريس أو بروكسل، وإنما الرياض وبقية العواصم الخليجية. وقد بدا هذا جلياً في نقاشات مؤتمر برلين عندما وصَّف الجانب الخليجي الواقع الدولي بعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا بأن الألمان قدموا إلى الخليج وأرادوا الطاقة والتعاون في هذا المجال. الخليج أجاب بأن الطاقة ترتبط بمعادلات أمنية معينة على الألمان الاعتراف بها؛ وأهمها الضمانات الأمنية لدول الخليج المتعلقة بالمعادل الإيراني، إضافة مثلاً إلى حق دول الخليج عموماً بالحصول على أسلحة ألمانية. إلا أن الألمان كعادتهم تجاهلوا ذلك عملياً في لقاءاتهم السياسية، ما دفع المحاورين الخليجيين في المؤتمر إلى الحديث بصراحة عن مبدأ الطاقة مقابل الضمانات الأمنية، والبعض منهم قال بأن الرد على الألمان الذين يقولون بالشراكة القائمة على الطاقة هو المطالبة بالضمانات الأمنية ثم الضمانات الأمنية ثم الضمانات الأمنية أولاً وآخراً.
علاوة على ذلك، فقد تم طرح العديد من المواضيع في جولات النقاش في المؤتمر عكست الاختلاف الجذري في الكثير من المجالات، مثل منظومة القيم في المجتمعات العربية ومفهوم حقوق الإنسان بالمعنى الغربي وازدواجية التعامل في هذا الإطار من قبل الأوروبيين عموماً، أو الكيفية التي يجب التعامل بها مع الملف السوري. بشكل عام، فقد تمييز الطرح الخليجي بوضوح الرؤية والتأكيد على فكرة أن التوازنات العالمية الجديدة تجلب معها شراكات إقليمية ودولية جديدة. ولعل الربط بين النقاش الأكاديمي السياسي الذي دار في المؤتمر والخطوات السياسية الفعلية من قبل دول الخليج يفضي بالمرء إلى الاعتقاد الجازم بأن بعداً عربياً جديداً للقرار الشرق أوسطي لا يمكن تجاهله آخذاً في النمو بشكل متسارع، والأطر الألمانية -أو الأوروبية بشكل عام- المعلبة للتعامل مع هذا البعد سواء من الناحية الأكاديمية أو السياسية أو العملية لن تُقبل لتكون أساساً لأي نوع من أنواع الشراكة. أي أن الرسالة كانت واضحة من خلال المؤتمر بأنه على الألمان بشكل خاص أن يعيدوا حساباتهم في الكيفية الشكلية والماهية الموضوعية التي ستطبع مستقبل علاقتهم مع دول الخليج العربي.
من يراقب بشكل أو بآخر النقاشات التي دارت في برلين قبل بضعة أيام ضمن فعاليات مؤتمر الحوار الألماني-الخليجي الخامس حول الأمن والتعاون يستشعر بأن الهدف الذي كان مقرراً أن يسعى له الحوار؛ أي التركيز على الشراكة الإستراتيجية في مجال العلاقات الخارجية والأمنية والاقتصادية بين الطرفين هو مسألة لم تتعدَ حدود عنوان أكاديمي تم التوافق عليه. وإذا كان هذا العنوان قد تم وضعه من قبل المؤسسة أو المؤسسات الألمانية المشرفة على تنظيم هذا الحدث، فالواضح بأنه مثل رغبة أحادية الجانب من قبل الألمان، دون الالتفات إلى الطريقة الجديدة التي يتعامل بها الجانب الخليجي في تلك الشراكة. ما أكد ذلك هي الطريقة التي تعامل بها الجانب الألماني مع كافة المسائل المطروحة، إذ لم يسمع المرء أي جديد بخصوص إستراتيجية ألمانية في الملفات الستة التي سماها الجانب الخليجي بوضوح، وهي: القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، إيران وملفها النووي وسياساتها في المنطقة، الصراع في اليمن، الأزمة السورية، الوضع في العراق والحرب الروسية الأكرانية.
بل على العكس من ذلك فقد أظهرت النقاشات في المؤتمر بأن المواقف الألمانية في أغلب تلك الملفات لا تلبي المطالب الخليجية بأي شكل من الأشكال، لا بل قد تعارضها بشكل واضح وجلي أحياناً. فالألمان مثلاً -كما عبر الكثير من المتحدثين الخليجيين- كانوا ولا يزالون ينظرون إلى إيران على أنها الملف الأهم في الخليج؛ فقد تم التركيز في السابق على التوصل إلى اتفاق نووي معها، ومن ثم توسيع العلاقات الاقتصادية دون أن يقام أي اعتبار لتحفظات دول الخليج الأمنية على إيران وملفها النووي وتسليحها ودورها في تأجيج نزاعات المنطقة. وحتى بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ما زال الألمان يصرون على أن التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران أحد أهم مرتكزات حفظ الأمن في الخليج. واللافت للنظر من خلال الحوارات التي دارت في المؤتمر بأن المتحدثين الألمان ارتبكوا عندما دخل الخليجيون بقوة في النقاش، مطالبين أيضاً بحقهم في الاستخدام السلمي للطاقة النووية أسوة بالإيرانيين. والأكثر من ذلك بأن المحاورين الألمان لم يتمكنوا حتى عن الإجابة على السؤال المحق الذي طرحه الخليجيون حول ضرورة اعتراف الألمان بمبدأ التوازن الإستراتيجي في منطقة الخليج؛ أي بما معناه وجوب اعترافهم بأن لدول الخليج الحق بامتلاك السلاح النووي في حال ملكت إيران هذا السلاح، أسوة -مثلاً- بالحالة الهندية الباكستانية وامتلاك البلدين للسلاح النووي.
على أنه يجب هنا الاعتراف بأن الخليج يسعى إلى خلق توازن متعدد الأقطاب مع إيران، الذي ظهر واضحاً من خلال التقارب السعودي الإيراني الأخير. ولعل العامل الدولي في هذا التقارب والاعتماد على الصين كوسيط وضامن لحقبة جديدة في العلاقات السعودية الإيرانية له دلالاته التي تعكس من جهة الريبة الخليجية من المواقف الأوروبية عموماً -والألمانية خصوصاً محور اهتمامنا هنا- لأن تلك المواقف لم ولن تعير أي اهتمام للاحتياجات الأمنية الداخلية أو الإقليمية لدول الخليج. كما أنه يظهر، من جهة أخرى، فهماً خليجياً جديداً لإستراتيجية تعدد الأقطاب، ويؤكد على أن أي شراكة مع الألمان والأوروبيين بشكل عام -أو أي حوار حول تلك الشراكة لن تضع أطره برلين أو باريس أو بروكسل، وإنما الرياض وبقية العواصم الخليجية. وقد بدا هذا جلياً في نقاشات مؤتمر برلين عندما وصَّف الجانب الخليجي الواقع الدولي بعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا بأن الألمان قدموا إلى الخليج وأرادوا الطاقة والتعاون في هذا المجال. الخليج أجاب بأن الطاقة ترتبط بمعادلات أمنية معينة على الألمان الاعتراف بها؛ وأهمها الضمانات الأمنية لدول الخليج المتعلقة بالمعادل الإيراني، إضافة مثلاً إلى حق دول الخليج عموماً بالحصول على أسلحة ألمانية. إلا أن الألمان كعادتهم تجاهلوا ذلك عملياً في لقاءاتهم السياسية، ما دفع المحاورين الخليجيين في المؤتمر إلى الحديث بصراحة عن مبدأ الطاقة مقابل الضمانات الأمنية، والبعض منهم قال بأن الرد على الألمان الذين يقولون بالشراكة القائمة على الطاقة هو المطالبة بالضمانات الأمنية ثم الضمانات الأمنية ثم الضمانات الأمنية أولاً وآخراً.
علاوة على ذلك، فقد تم طرح العديد من المواضيع في جولات النقاش في المؤتمر عكست الاختلاف الجذري في الكثير من المجالات، مثل منظومة القيم في المجتمعات العربية ومفهوم حقوق الإنسان بالمعنى الغربي وازدواجية التعامل في هذا الإطار من قبل الأوروبيين عموماً، أو الكيفية التي يجب التعامل بها مع الملف السوري. بشكل عام، فقد تمييز الطرح الخليجي بوضوح الرؤية والتأكيد على فكرة أن التوازنات العالمية الجديدة تجلب معها شراكات إقليمية ودولية جديدة. ولعل الربط بين النقاش الأكاديمي السياسي الذي دار في المؤتمر والخطوات السياسية الفعلية من قبل دول الخليج يفضي بالمرء إلى الاعتقاد الجازم بأن بعداً عربياً جديداً للقرار الشرق أوسطي لا يمكن تجاهله آخذاً في النمو بشكل متسارع، والأطر الألمانية -أو الأوروبية بشكل عام- المعلبة للتعامل مع هذا البعد سواء من الناحية الأكاديمية أو السياسية أو العملية لن تُقبل لتكون أساساً لأي نوع من أنواع الشراكة. أي أن الرسالة كانت واضحة من خلال المؤتمر بأنه على الألمان بشكل خاص أن يعيدوا حساباتهم في الكيفية الشكلية والماهية الموضوعية التي ستطبع مستقبل علاقتهم مع دول الخليج العربي.