-A +A
رامي الخليفة العلي
من أهم القضايا التي هي مثار خلاف بين دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) هي مسألة تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية. سبب الخلاف أن معظم دول الحلف فضلاً عن الدول الأوروبية موقعة على اتفاقية لمنع انتشار هذا السلاح وبالتالي تجد نفسها في موقف حرج، لدرجة أن الجانب الفرنسي أكد أنه يعارض استخدام هذا السلاح ولكنه يتفهم حاجة أوكرانيا إليه، والموقف الفرنسي ينسجم مع موقف الدول الأخرى، لأنه يمثل منزلة بين المنزلتين، بين المعارضة بحكم الالتزامات الواقعة على هذه الدول والموافقة بحكم الالتزام بدعم أوكرانيا. يبدو أن واشنطن ماضية في تقديم هذا السلاح وتضع لذلك عدة مبررات بالرغم من معارضة معظم دول الحلف وحتى أعضاء في الكونغرس، أولى هذه المبررات أنها أمام خيارين صعبين؛ الأول أن تنقص كمية الذخيرة المقدمة إلى القوات الأوكرانية بحكم الاستنزاف الكبير لها خلال الشهور الماضية، وهذا يمثل خطورة على التوازن في جبهات القتال ويطرح شبح تراجع تلك القوات، أو تعويض هذا النقص بالذخائر العنقودية. لا بد من الإشارة إلى أن المجتمع الدولي في غالبيته على دراية بخطورة هذا السلاح لأنه يغطي مساحات واسعة، ففي كل قذيفة عنقودية يمكن تدمير ما مساحته تعادل ملعب كرة قدم، عبر قنابل صغيرة مما يجعل الأرض المستهدفة جحيماً تنفجر فيه العشرات منها، المشكلة أن قسماً كبيراً من هذه القذائف الصغيرة لا تنفجر ويمكن أن تنفجر في وقت لاحق، وهي تمثل فخاخاً تؤدي إلى مقتل المدنيين حتى بعد عشرات السنين. في كثير من الأحيان كان الأطفال هم الضحايا باعتبار لعبهم البريء الذي لا يقدر خطورة ما وجدوه. أكثر من مئة دولة وقعت على اتفاقية لمنع انتشارها، ولكن للأسف الدول الأكثر إنتاجاً لها امتنعت عن التوقيع وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا وباكستان وإسرائيل والهند وغيرها. دعم الولايات المتحدة الأمريكية لتزويد أوكرانيا بهذا السلاح يمثل سقوطاً أخلاقياً حتى إذا كانت واشنطن غير موقعة على اتفاقات دولية تحد من هذه الأسلحة، التهديد مباشر لحياة المدنيين سواء من بقي في دياره رغم الحرب أو من سيعود إليها بعد أن تضع الحرب أوزارها، واشنطن ومن ورائها حلف الأطلسي سيكون مسؤولاً عن كل مدني سوف يسقط نتيجة شراك الموت هذه. الضغط الذي تشعر به الولايات المتحدة والدول الغربية نتيجة عدم تحقيق الهجوم الأوكراني الأخير اختراق حقيقي على جبهات القتال يدفع إلى استخدام هذه القنابل التي سوف تكون ذات فعالية في محاربة التحصينات الروسية التي أثبتت قدرة حقيقية على مواجهة الهجوم الأوكراني. ولكن هذا المبرر ليس كافياً، فروسيا أيضاً يمكن أن ترد بالمثل والنتيجة هو زيادة القتل وليس تحقيق النصر.

لا توجد حرب نظيفة، الحروب كلها قذرة وأفضل ما فيها هو نهايتها، والحرب الروسية - الأوكرانية تحولت بالفعل إلى مفرمة للحم البشري، والقرار الأمريكي إذا ما تم اتخاذه وأخذ طريقه نحو التنفيذ فهو يدفع الصراع في هذا البلد إلى مزيد من التهتك وتصبح إمكانية الوصول إلى السلام أكثر صعوبة.