-A +A
عقل العقل
تعتبر مرحلة التقاعد من أهم مراحل حياة الإنسان في كل دول العالم؛ فهي مرحلة ختام عمل وجهد استمرت لسنوات، والآن تبدأ هذه المرحلة المهمة خاصة على الصعيد الشخصي للإنسان، ويفترض أن المتقاعد قد حقق بعضاً من طموحاته رغم تفاوتها من شخص لآخر. هذه المرحلة يفترض أن تكون بداية لحياة جديدة مريحة وأقل ضغوطاً في جوانب عدة في المراحل السابقة وأكثر حرية وانطلاقاً، خاصة على مستوى حياته الشخصية؛ التي يجب أن يكيّفها مع الظروف الجديدة، فلا يكون همه إصلاح الكون وإهمال إصلاح عالمه الصغير، يفترض أن يكون هو مركز تفكيره واهتمامه وهذا لا يعني التفكير الأناني بشكل عام، محاولة الظهور بالمثالية وإرضاء الجميع يجب ألا تشغله فتلك مثاليات ولت وولى زمانها، عليه أن يجد نفسه الحقيقية واهتماماته المحببة لنفسه، وأن يعمل على تطويرها مهما كانت بسيطة وساذجة في نظر الآخرين، نجد كثيراً من المتقاعدين للأسف يعتقدون أن وصولهم للتقاعد هو بداية النهاية في كل شيء، فهذا الإنسان المنتج والعامود الأساسي في أسرته ومجتمعه أصبح لا يهتم فيه ويذبل اجتماعياً على كل المستويات، وهذا يدفع بعض المتقاعدين للعزلة الاجتماعية والنفسية ويكونون عرضة للأمراض والتردد على المستشفيات دون نتيجة إيجابية؛ لأنهم ليسوا مرضى في أبدانهم، ولكن البعض منهم يكونون فريسة للأوهام التي يعتقدونها.

لا شك أن البعض من المتقاعدين لم يخططوا لهذه المرحلة العمرية خاصة في القضايا المالية، أو أنهم دخلوا في مشاريع استثمارية في أسهم أو عقارات في مدخرات تقاعدهم وخسروا تلك الأموال، لا شك أن الأمان المالي له مردود عظيم على حياة الإنسان المتقاعد، فإذا كانت أموره المالية مستقرة وجيده فبلا شك سوف تنعكس على حياته بكل جوانبها، وكلنا يعرف الآن أن مفهوم التلاحم بين الأباء وأبنائهم قد تغيّر بشكل جذري في السنوات الأخيرة وهذه طبيعة الأجيال، فالمتقاعد كان همه في سنوات عمره هو توفير كل الظروف المناسبة لأبنائه من تعليم وسكن ومصاريف شخصية حتى يتخرجوا من الجامعات ويبدؤون العمل في وظائف جيدة ومداخيل مرتفعة، في الجانب الآخر تجد الآباء والأمهات المتقاعدين أو بعضهم يمرون بظروف مالية صعبة، في هذا السياق أعتقد أننا كمجتمع لا نهتم بثقافة الادخار المؤسسي لقطاع المتقاعدين في مراحل مبكرة في الحياة عندما كانت رواتبهم ضخمة ويمكن استثمارها في مؤسسات متخصصة، ولكن تمضي السنين ويصل المتقاعد ليوم التقاعد معتمداً على راتبه التقاعدي الذي قد لا يوفر حاجاته الأساسية حتى لو كان يملك سكناً مناسباً، الكل يعلم أن الظروف الاقتصادية والتضخم تتغير بشكل سريع وتقلل قيمة العملات المحلية، خاصة إذا لم تتوافق معه مصادر مالية أخرى ثابته من موارد استثمارية أو من زيادات ثابتة في معاشات التقاعد حتى يكون هناك توازن في رواتب المتقاعدين ونسب التضخم التي لم تعد مسألة دول بعينها، فالعالم يعيش ككتلة اقتصادية واحدة، يتأثر بالظروف والهزات والأزمات والأوبئة، فالكل مع الكل وليس بمقدور أي دولة أن تعزل نفسها عن المؤثرات الاقتصادية والسياسة في العالم.