-A +A
رامي الخليفة العلي
قبيل جولته الأوروبية ومشاركته في قمة الناتو التي عقدت في ليتوانيا أجرى الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لقاء مع قناة سي إن إن، حدد من خلاله الخطوط الأساسية للسياسة الأمريكية في عدد من القضايا الخارجية. ملف الحرب الروسية على أوكرانيا كان امتحاناً للسياسة الأمريكية، صحيح أن الإدارة الأمريكية استطاعت الحفاظ على وحدة الناتو وحشد الدعم لأوكرانيا، ولكن الصحيح أيضاً أن هذه الحرب ذات تكلفة باهظة سواء لأوكرانيا أو أوروبا، وقد نتفق أو نختلف مع ردة الفعل الروسية حول انضمام أوكرانيا للناتو التي أدت لاندلاع الصراع، ولكن المؤكد أن موسكو تعاملت مع آذان أمريكية صماء لم تأخذ بعين الاعتبار المخاوف الروسية وجسّدت تراجعاً عن الوعود التي لطالما قطعتها لروسيا حول عدم التوسع شرقاً وهذا لم يحدث. السيد بايدن يرسم الوضع في شرق أوروبا كما يراه وليس كما تجسّد طوال العقود الثلاثة الماضية. وهذه الرؤية تمتد إلى المنطقة التي مثّلت فشلاً للسياسة الأمريكية، وهي منطقة الشرق الأوسط. يرى بايدن أن إدارته نجحت في إيقاف الحرب في اليمن، وهذه تصورات بايدنية أكثر من كونها تجسيداً لتطور الأحداث، الحرب في اليمن كما التطورات في العراق وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، كل هذه التطورات كانت نتيجة متغيرات عميقة في منطقة الشرق الأوسط قادتها المملكة العربية السعودية ابتداء من قمة العلا وما تلا ذلك، أي عملياً منذ ما قبل وصول إدارة بايدن إلى ساحات البيت الأبيض. المحادثات بين المملكة وإيران سبقت الرؤى التي قدمها بايدن، وبينما كان الرئيس يلقي خطاباته الانتخابية النارية جرت مياه كثيرة تحت الجسر تمثلت في التفاهمات بين الرياض وطهران أدت إلى تغييرات كبيرة وعميقة أثرت على الملفات كافة. جرى الحديث أثناء لقاء السي إن إن حول قضيتين في غاية من الأهمية في العلاقات السعودية ـ الأمريكية لا بد من الوقوف عندهما لأنهما تظهران بشكل واضح الفرق بين تصورات السيد بايدن وبين ما هو كائن على أرض الواقع. توريد الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية حيث جرى الحديث عن طائرات متطورة، للمملكة حاجاتها الدفاعية، وهي في علاقات استراتيجية مع واشنطن، فمن الطبيعي أن تعرض الرياض هذا الملف على من يفترض أنه حليفها الاستراتيجي، ولكن عدم استجابة واشنطن ليس نهاية المطاف؛ لأن هناك دولاً أخرى مستعدة لتقديم هذه الحاجات الدفاعية. ولعل المثال التركي حول منظومة صواريخ إس 400 التي اشترتها من روسيا يمثل نموذجاً جيداً يمكن الاقتداء به، وهناك دائماً في العالم من هو مستعد لإقامة علاقات دفاعية مع المملكة. أما استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فهذا حق أصيل للمملكة وليس منّة من أحد، وطالما أن المنطقة برمتها تتجه لهذا المصدر من الطاقة كما في إيران وتركيا وإسرائيل، فوصول التقنية النووية إلى المملكة يصبح مسألة وقت لا أكثر. وأخيراً مسألة السلام في الشرق الأوسط والعلاقة مع إسرائيل فإن الأمر ما زال يتمحور حول مبادرة السلام العربية وحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية، هذا هو موقف المملكة الذي لم يتغير أبداً، والذي يفتح بحق الآفاق نحو سلام حقيقي مستدام.

العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية مهمة واستراتيجية، والجميع يرغب أن يراها تسير بأفضل حال، وهي تمتلك المؤهلات لتسير في هذا الاتجاه، ولكن التصورات التي تعبر عنها إدارة الرئيس جو بايدن لا تساعد في هذا الاتجاه، الخبر الجيد أن العالم ليس تجسيداً دقيقاً لما يراه السيد بايدن.