تصور منظر إنسان يعاني من إصابات خطيرة وجاء للطبيب ليعالجه فقام الطبيب بضربه معتبراً أن هذا أمراً عادياً ويمثل سلوكاً طبيعياً، هذه حقيقة كل موقف بين الطبيب والمريض لا يستحضر فيه الطبيب منظور التعاطف وسلوكياته وإن لم يكن يتمتع بسجية الحساسية التعاطفية بشكل فطري فهو يمكنه اكتساب سلوكياتها من باب آداب المهنة، والأمر ليس رفاهية تتعلق بالجماليات الأخلاقية فهناك طوفان من الدراسات الطبية التي أثبتت أن مدى تجاوب المريض مع العلاج يتأثر بشكل جذري بشعوره تجاه الطبيب المتولد عن أسلوب تعامل الطبيب معه وإن كان يتعامل معه بتعاطف أو بتبلد، ولذا فعلياً المعاملة الجافية من بعض الأطباء تعتبر من سوء الممارسة للمهنة وضرراً مادياً ونفسياً بالمريض، وصحيح أن الأطباء يحتاجون لدرجة من التبلد العاطفي لكي لا يستنفذهم التماهي مع معاناة المرضى لكن هناك حداً وسطاً بين التماهي وبين التبلد الكامل، وربما اللوم الاكبر يقع على الكليات الطبية التي لا تضيف مواد توعية للعاملين بالمجال الطبي تكرّس لديهم الوعي بأهمية نمط معاملة المرضى، فالطب ليس مجرد مهنة، والطبيب دائماً يجتهد حسب أقصى علمه ليتخذ القرار الصحيح بالنسبة للمريض ولذا غالباً لا يندم على قراراته الطبية، لكنه بالتأكيد سيندم أشد الندم على نمط معاملته للمرضى، وقدر ذلك الندم وللمفارقة أثبته الأطباء الغربيون الذين درسوا ظاهرة أسموها «Near death experience/NDE-خبرة القرب من الموت/الموت المؤقت» عن ما رآه من ماتوا مؤقتاً وخرجت أرواحهم من أجسادهم قبل إنعاشهم، والأطباء الغربيون جمعوا شهاداتهم ونشروها بكتب ودراسات وبرامج وثائقية وأشهر هؤلاء الأطباء الغربيين؛Sam Parnia, Raymond Moody, Pim van Lommel, Melvin Morse,Bruce Greyson, Kenneth Ring, Michael Sabom, Jeffrey Long, Peter Fenwick, Elisabeth Kübler-Ross وعديد من الأطباء عاشوا هم أنفسهم خبرة الموت المؤقت ونشروا خبراتهم كجراح المخ والأعصاب والبروفيسور الأمريكي «Eben Alexander»، وسجلها بكتابه، ويوجد أيضاً كتاب بعنوان «The Near-Death Experiences of Doctors and Scientists: Doctors and Scientists Go On The Record About God, Heaven, and The Afterlife John J. Graden,- خبرات الموت المؤقت للأطباء والعلماء، الأطباء والعلماء يسجلون شهاداتهم عن الله والجنة وعالم الآخرة». وأبرز وصف فيها أن أول ما يحصل للإنسان عند خروج روحه هو استعراض كامل ذاكرة حياته من منظور كل من تأثر به بأي درجة فيشعر بشعورهم ويحس بأحاسيسهم ويدرك أفكارهم ويعيش كل تبعات وعواقب تأثيره عليهم والذي دائما يكون لكل العمر وجذرياً مهما بداً بالظاهر عابراً وهامشياً وعادياً ويحس بكل كيانه أن ما وقع عليهم بسببه وقع عليه هو لأنه يعيشه بشكل كامل وهو يستعرض ذاكرة الحدث وكلهم وصفوا أن شعور الندم والأسف والحسرة والذنب والخزي على جرحهم لشعور الآخرين وعدم مراعاتهم لهم كان مؤلماً لدرجة أنهم شعروا أن عذاب جهنم سيكون أقل إيلاماً، وهناك فيلم أمريكي بعنوان «الطبيب-»The Doctor.1991 عن طبيب كان يعامل مرضاه بتبلد حتى أصيب بالمرض وجرب شعور المرضى بسبب المعاملة الجافية للأطباء التي لا تراعي شعور المرضى، وشعر أن كرب ومعاناة مرضه تضاعفت بسببها، ولذا بعد أن تعافى عمل على تعليم الأطباء الجدد بروتوكولاً للتعامل التعاطفي مع المرضى. وبالواقع كل من يرى طبيباً طيباً ومتعاطفاً بمعاملته مع المرضى يشعر أنه رأى ملاكاً حقيقياً يمثل تجسداً للخيرية الإنسانية، بينما الإنسان لا يشعر بمثل هذا الشعور تجاه الطبيب المفتقر لطيبة المعاملة والتعاطف مهما كانت رفعة ألقابه، وبالنهاية الإنسان لا يأخذ معه من الدنيا إلا نمط الشخصية التي كرّسها عبر معاملته للخلق.