-A +A
محمد الساعد
هناك مسافة شاسعة بين دفع ضررٍ صغير يظن فرد ما أنه وقع عليه، وبين وهم ينزلق إليه البعض ممن يظنون أن استقواءهم بالخارج سيمكّنهم من فرض قوانينهم الخاصة أو ابتزاز دولتهم، ذلك يأتي نتيجة للجهل الذي استوطن عقول ووجدان البعض، ولإعطاء «المفلسين» علماً وخلقاً وأدباً أدواراً ومكانة لا يستحقونها.

سنجد أن هؤلاء يُقيّمون أنفسهم بأكثر مما تستحق، ويريدون من الدولة والمجتمع أن تكافئهم على مكانة مزورة توهموها، ولم يستحقوها.


لقد انساق جزء من المجتمع خلف عواطفه، وسلعَ قيمه، وأصبحت أحكامه الجمعية غير دقيقة، ليتفاجأ ببعض الجهلاء والجاهلات يتقدمون الصفوف، ويُصدم وهو يرى بعض أصحاب الخطايا -الذين لا محتوى مفيد لديهم- نجوماً في وسائل التواصل، لهم تفتح الأبواب، وعلى شرفهم تقام المآدب والاحتفالات والافتتاحات، ولجيوبهم تفتح الخزائن.

ما حصل أن هؤلاء الذين احتفى بهم المجتمع أو بعض الهيئات والمنظمات الحكومية -للأسف- وسلّطت عليهم الأضواء الإعلامية، ظنوا في غفلة من الزمن أنهم أضحوا قيادات ورموزاً مجتمعية لا ترد لهم مطالب ولا يجب أن تطبق عليهم القوانين كما غيرهم.

ودعونا نأخذ الجدل الذي حصل حول تصريح موثوق من يستحقه ومن لا يستحقه كمثال:

هو في تعريفه «رخصة لتقديم الإعلانات» تسمح بالوساطة الإعلانية للأفراد في وسائل التواصل، وتمنح لمن تنطبق عليهم الشروط التي وضعتها الجهة المعنية، ولم يتم تفصيلها على مقاس أحد، والدليل أن الآلاف ممن تقدموا حصلوا عليها، وبلا شك هناك العشرات ممن لم تنطبق عليهم الشروط.

إذن هناك مجموعة من القوانين والأنظمة اللوائح التي يشير إليها القانونيون بالحاكمة، تُعرض كل الطلبات عليها ومن يتجاوزها يحصل على التصريح، مشهوراً كان أو مجهولاً، ومن لا تنطبق عليهم الشروط سيرفضون أو يؤجلون لحين انتهاء مراجعة ملفاتهم.

بالطبع تلك القوانين تتضمن العودة للمخالفات الإعلامية السابقة، إن وجدت -فكيف تعمل في الإعلام وأنت تخالف أنظمته، أو القضايا الجنائية أو السوابق- التي ربما ارتكبها المتقدم ولا يعرف جمهوره عنها شيئاً- وكلها ستكون موانع مؤقتة أو دائمة.

على سبيل المثال لو أن مشهورة ما؛ أساءت قبل سنوات لأحد الرموز السياسية للمملكة وانتشر مقطعها في حينه، وظنت بسبب ذاكرتها «الذبابية» أن ذلك المقطع اختفى وأن تلك الإساءة لم تُضبط، أو توهمت استناداً على شهرتها الحالية أن من واجب المشرع تجاوزها فهي مخطئة جداً.

فلا الشهرة تشفع لها ولا العدالة يمكن تفصيلها على مقاسها، وإلا لكانت البلاد تعم في فوضى وأصبح صاحب النفوذ والمشهور مستثنى من تطبيق القوانين، وأضحى الضعيف بلا سند يحميه.

لنأخذ مثالاً آخر: فتاة خرجت بدون عباءة وبلبس لا يخدش الحياء ولا يناقض قانون الذوق العام، مئات من البنات والسيدات يفعلن ذلك ولا يتجاوز أحد عليهن، لا مطبقي النظام ولا الأفراد لأنهن لم يخالفن مواد الذوق العام!

أين المشكلة؟

تلك الفتاة ودون أن تدري بسبب المحرضين والمعززين لها -ومن كانوا في الكواليس يصورونها- انتقلت من دائرة الحرية الشخصية، إلى دائرة قانونية أخرى، ألا وهي تصوير نفسها وهي تدوس على العباءة وتحرض على خلعها وتصدر أقوالاً يفهمها القانون على أنها تحريضية، وتنشر المقطع عبر وسائل التواصل، الفتاة هنا تحولت من ممارسة لحريتها الشخصية إلى خارقة لقانون الجرائم الإلكترونية، وهو إنتاج ونشر محتوى من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو المساس بالسلم الاجتماعي، وللعلم القانون صدر قبل حادثة الفتاة وقبل آلاف القضايا الشبيهة.

لماذا هي مخالفة؟

لأن النظام قال ذلك، وهذا يكفي لوحده، ولكن أيضاً هناك آخرون في المجتمع من الرجال والسيدات يرون أن خلع العباءة بشكل علني والتحريض على ذلك أمر خاطئ ولا يقبلون ذلك، وهنا يتدخل القانون، لأن عدم تدخله سيدفع الطرف الآخر لإنتاج مادة إعلامية مضادة، وهكذا تصبح الأمور مختلة ومنفلتة.

مثال ثالث: ضابط هارب من جريمة أخلاقية بعد شبهات (بيدوفيليا)، الضابط المخزي من نظرة مجتمعه وفضيحته بين أهله وزملائه ومحيطه حاول أن يردم تلك المشكلة بنفوذه كضابط كبير، وعندما اصطدم بالقانون وعدالته -في بلد لا يمكن لكائن من كان استخدام نفوذه للنجاة من جريمته- هرب للخارج من أجل طمر ما ارتكبه وبعدما يئس من مجاملة الدولة له.

يا له من زمن رديء تحول فيه أصحاب الخطايا إلى «حكوكيين» يستخدمون الخارج لابتزاز الحكومات.

لقد توهم البعض أن نقل خلافهم مع هيئة أو منظمة، وتحويلها إلى معارك في الخارج سيجنبهم ما وقعوا فيه من مخالفات أو جرائم، وأن الاستقواء بالغرب -إعلاماً ومنظمات ودولاً- سيدفع السلطات للتجاوب أو الخضوع.

دولة صمدت أمام ابتزاز دول عظمى بكل إمكاناتها الضخمة، ورفضت أجندات اليسار الغربي المتطرفة، وتصدت لحرب إعلامية وحملات اغتيال معنوي شنتها مؤسسات وبرلمانات غربية وعشرات الآلاف من شذاذ الآفاق الذين عمروا المنصات والوسائل بضغوطهم وكذبهم وافترائهم، دولة طردت سفراء دول فقط لأنهم حاولوا التدخل في الشأن الداخلي السعودي، دولة نفذت أحكاماً قضائية على مخالفي الأنظمة من رعايا دول عظمى بالرغم من كل الضغوطات لإطلاقهم، فهل ستلتفت لسنابية تمثل وتدعي المظلومية، أو هارب من قضية أخلاقية يحاول أن يغطي فضيحته بادعاء المعارضة.