في الجو الشديد التوتر بين الغرب والشرق، الذي يلف العلاقات الثنائية والجماعية بين القوى العظمى، يزداد القلق حول احتمال جر العالم لحرب نووية، قد تأتي على مستقبل الجنس البشري على هذه الأرض. حربٌ خاسرٌ فيها الجميع، وليس هناك منتصرٌ فيها، مهما كان تقديره لقوته.. ومهما بلغت جرأته في المبادرة بقرار الحرب، والمبادأة بشنّها. ظل العالم حبيساً لفرضية استحالة نشوب حرب نووية، منذ أن فقدت الولايات المتحدة ميزة الاحتكار الإستراتيجي للسلاح النووي، حين تمكن الاتحاد السوفيتي (٢٩ أغسطس ١٩٤٩)، من إجراء أول تفجير نووي ناجح، منذ إلقاء الولايات المتحدة لقنبلتين نوويتين على اليابان (٦، ٩ أغسطس ١٩٤٥).
منذ ذلك التاريخ، لم يتوقف انتشار التسلح النووي، فزاد أعضاء النادي النووي «الشرعيين» إلى سبعة (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، الهند، وباكستان)، بالإضافة إلى دول أسفرت عن إمكاناتها النووية لكنها لم تنضم للنادي النووي، مثل كوريا الشمالية. دولٌ أخرى تمتلك بالفعل السلاح النووي، لكنها لم تعلن عن ذلك (إسرائيل)، التي لم توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بدايةً. وتظل دولٌ أخرى تتطلع جاهدةً لامتلاك الرادع النووي، عن طريق امتلاك التكنولوجيا النووية، مثل: إيران، كما أن هناك دولاً لم تصادق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (هناك خمسون دولة فقط صادقت على المعاهدة).. وهناك دولٌ وقّعت على المعاهدة، لكنها لم تصادق عليها، بعد، مثل: المكسيك، وجنوب أفريقيا، ونيوزيلندا.
لكن الخوف ليس من قلة شعبية معاهدة انتشار الأسلحة بين دول العالم، واحتمال تزايد نشر هذا السلاح غير التقليدي (المُهْلِك)، بين عدد أكبر من الدول. الخطورة الإستراتيجية الكبرى تكمن في إمكانية استخدام الدول الكبرى المالكة للسلاح النووي، الملتزمة قانوناً بعدم المساهمة في انتشاره، إلا أنها ليست في الواقع ملتزمة بعدم استخدامه، خارج إرادتها السيادية.. وتُخْضِعُ قرارَ استخدامه لاعتبارات إستراتيجية، ذات علاقة بمقتضيات أمنها القومي.. والأهم لحسابات توازن الرعب النووي مع منافسيها الإستراتيجيين.
المشكلة، أن آليات توازن الرعب النووي، رغم حساسيتها ودقتها، إلا أن مرونتها «مطاطة» مع انعدام تجربتها الحقيقية في الأوضاع الدولية شديدة التوتر حقيقةً، عدا تجربة أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا ( ١٦ – ٢٨ أكتوبر ١٩٦٢). كذا اعتماد آلية معادلة توازن الرعب النووي الكبير على افتراض «عقلانية» صانعي القرار. ثم أن قرار استخدام السلاح النووي، من عدمه، يعتمد على حالة افتراضية تتمحور حول عقيدة الضربة النووية الأولى، التي تقول باستحالة القيام بالضربة الأولى، مع ضمان تفادي العدو المالك للسلاح النووي من القيام بالضربة الثانية... الأمر الذي لا يحتمله إستراتيجياً الطرف الذي بادر بالضربة النووية الأولى.
لكن «سيناريو» الضربة النووية الأولى هذا، لا يضمن (بالمطلق) آلية ردع فعّالة، تحول دون نشوب حرب نووية. أولاً: افتراض العقلانية المطلقة لدى صانعي القرار، ليس مضموناً، بدقة كبيرة كونه أداة ردع فعالة، خاصةً لو نشب صراع عنيف على السلطة، في إحدى الدول النووية الكبرى. ثانياً: تفاوت إمكانات وانضباط وتكامل مؤسسات صناعة القرار بين مؤسسات الحكم في الدول النووية الكبرى.. وكذا تفاوت مستويات الاستقرار السياسي فيها.. بالإضافة لخلفيتها الأيديولوجية، ومدى ارتباطها وتأثرها بقاعدتها الشعبية. الأهم، هنا، ثالثاً: ما يمكن وصفه بـ «متلازمة» قرار الحرب نفسه، الذي قد يكون خارج إرادة صانعي القرار، ليعود للحرب نفسها! الحرب النووية، قد تندلع عن طريق الخطأ، سواء كان بشرياً أو فنياً، رغم حرص الأطراف المتصارعة، على ربط بعضهم البعض بشبكة اتصالات ساخنة متقدمة ترتكز على إمكانات تقنية واستخباراتية متقدمة. قد تنطلق بالخطأ الصواريخ الإستراتيجية، من صوامعها الثابتة.. أو من غواصاتها في أعماق البحار والمحيطات، أو من القاذفات الإستراتيجية العملاقة التي تجوب أجواء الأرض، على مدار الساعة.
في عالمٍ مشحونٍ بالتوتر تُخاضُ فيه حربٌ ضروسٌ على تخوم حدود الشرق مع الغرب في أوكرانيا، لأول مرة منذ الحرب الكونية الثانية.. وتوترٌ شديدٌ على جبهةِ غرب الباسفيك، إشارات مقلقة لإمكانيةِ فقدانِ السلاح النووي لرادعه غير التقليدي، باختراق فرضية الضربة الأولى.. وتحدي فرضية عقلانية رموز ومؤسسات صناعة القرار، مع عدم استبعاد احتمالية اندلاع الحرب، بأن تقع بالخطأ.
منذ ذلك التاريخ، لم يتوقف انتشار التسلح النووي، فزاد أعضاء النادي النووي «الشرعيين» إلى سبعة (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، الهند، وباكستان)، بالإضافة إلى دول أسفرت عن إمكاناتها النووية لكنها لم تنضم للنادي النووي، مثل كوريا الشمالية. دولٌ أخرى تمتلك بالفعل السلاح النووي، لكنها لم تعلن عن ذلك (إسرائيل)، التي لم توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بدايةً. وتظل دولٌ أخرى تتطلع جاهدةً لامتلاك الرادع النووي، عن طريق امتلاك التكنولوجيا النووية، مثل: إيران، كما أن هناك دولاً لم تصادق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (هناك خمسون دولة فقط صادقت على المعاهدة).. وهناك دولٌ وقّعت على المعاهدة، لكنها لم تصادق عليها، بعد، مثل: المكسيك، وجنوب أفريقيا، ونيوزيلندا.
لكن الخوف ليس من قلة شعبية معاهدة انتشار الأسلحة بين دول العالم، واحتمال تزايد نشر هذا السلاح غير التقليدي (المُهْلِك)، بين عدد أكبر من الدول. الخطورة الإستراتيجية الكبرى تكمن في إمكانية استخدام الدول الكبرى المالكة للسلاح النووي، الملتزمة قانوناً بعدم المساهمة في انتشاره، إلا أنها ليست في الواقع ملتزمة بعدم استخدامه، خارج إرادتها السيادية.. وتُخْضِعُ قرارَ استخدامه لاعتبارات إستراتيجية، ذات علاقة بمقتضيات أمنها القومي.. والأهم لحسابات توازن الرعب النووي مع منافسيها الإستراتيجيين.
المشكلة، أن آليات توازن الرعب النووي، رغم حساسيتها ودقتها، إلا أن مرونتها «مطاطة» مع انعدام تجربتها الحقيقية في الأوضاع الدولية شديدة التوتر حقيقةً، عدا تجربة أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا ( ١٦ – ٢٨ أكتوبر ١٩٦٢). كذا اعتماد آلية معادلة توازن الرعب النووي الكبير على افتراض «عقلانية» صانعي القرار. ثم أن قرار استخدام السلاح النووي، من عدمه، يعتمد على حالة افتراضية تتمحور حول عقيدة الضربة النووية الأولى، التي تقول باستحالة القيام بالضربة الأولى، مع ضمان تفادي العدو المالك للسلاح النووي من القيام بالضربة الثانية... الأمر الذي لا يحتمله إستراتيجياً الطرف الذي بادر بالضربة النووية الأولى.
لكن «سيناريو» الضربة النووية الأولى هذا، لا يضمن (بالمطلق) آلية ردع فعّالة، تحول دون نشوب حرب نووية. أولاً: افتراض العقلانية المطلقة لدى صانعي القرار، ليس مضموناً، بدقة كبيرة كونه أداة ردع فعالة، خاصةً لو نشب صراع عنيف على السلطة، في إحدى الدول النووية الكبرى. ثانياً: تفاوت إمكانات وانضباط وتكامل مؤسسات صناعة القرار بين مؤسسات الحكم في الدول النووية الكبرى.. وكذا تفاوت مستويات الاستقرار السياسي فيها.. بالإضافة لخلفيتها الأيديولوجية، ومدى ارتباطها وتأثرها بقاعدتها الشعبية. الأهم، هنا، ثالثاً: ما يمكن وصفه بـ «متلازمة» قرار الحرب نفسه، الذي قد يكون خارج إرادة صانعي القرار، ليعود للحرب نفسها! الحرب النووية، قد تندلع عن طريق الخطأ، سواء كان بشرياً أو فنياً، رغم حرص الأطراف المتصارعة، على ربط بعضهم البعض بشبكة اتصالات ساخنة متقدمة ترتكز على إمكانات تقنية واستخباراتية متقدمة. قد تنطلق بالخطأ الصواريخ الإستراتيجية، من صوامعها الثابتة.. أو من غواصاتها في أعماق البحار والمحيطات، أو من القاذفات الإستراتيجية العملاقة التي تجوب أجواء الأرض، على مدار الساعة.
في عالمٍ مشحونٍ بالتوتر تُخاضُ فيه حربٌ ضروسٌ على تخوم حدود الشرق مع الغرب في أوكرانيا، لأول مرة منذ الحرب الكونية الثانية.. وتوترٌ شديدٌ على جبهةِ غرب الباسفيك، إشارات مقلقة لإمكانيةِ فقدانِ السلاح النووي لرادعه غير التقليدي، باختراق فرضية الضربة الأولى.. وتحدي فرضية عقلانية رموز ومؤسسات صناعة القرار، مع عدم استبعاد احتمالية اندلاع الحرب، بأن تقع بالخطأ.