-A +A
حمود أبو طالب
قبل عقدين من الزمن تقريباً كتبتُ مقالاً أتساءل فيه ما المانع أن تعمل المرأة السعودية مضيفة في الرحلات الداخلية لخطوطنا الجوية الوطنية، وكانت حيثياتي أنها وظيفة آمنة وفي مكان عام، فالمضيفة سوف تخرج من منزلها إلى المطار، ثم تصعد طائرة فيها عشرات الركاب وتعتبر أيضاً مكاناً عاماً، ومع زميلاتها وزملائها أمام الجميع، وسوف تعود من رحلتها إلى مدينة إقامتها في نفس الظروف ليستقبلها أحد أفراد أسرتها أو سائقهم لتعود إلى منزلها، فما المشكلة في ذلك وأين المحاذير وما هي الذرائع، خصوصاً أن هذه الوظيفة تشغلها آلاف المضيفات الأجنبيات، كما أن الفتاة السعودية أكثر فهماً في التعامل مع شرائح المجتمع السعودي كبارهم وصغارهم، نساءهم ورجالهم.

أقام المقال الدنيا ولم يقعدها لدى الفئة التي تعرفونها وتعرفون سطوتها آنذاك، وهاتفني مسؤول كبير في الخطوط يؤكد لي أن ذلك لن يحدث أبداً في تأريخ الخطوط، بلعتُ صمتي وتحملت الإساءات. وقبل ثلاث سنوات تقريباً على رحلة داخلية حدثتني مضيفة بلهجة سعودية، كنت كالذي يحلم وعاد بي الزمن إلى الوراء، كانت تلك أول مضيفة سعودية أراها، وخلال الرحلة حدثتها مع زميلاتها وزملائها عن ذلك المقال وردود الفعل عليه وما قاله مسؤول الخطوط، ثم أخذنا صورة تذكارية بتلك المناسبة، والآن نرى أعداد المضيفات السعوديات تزداد وإعلانات توظيفهن شبه مستمرة.


تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ أمس خبر تعيين سيدة مديرة لتعليم محافظة جدة، كان خبراً عادياً كأي خبر آخر لأننا قطعنا مسافة هائلة في تمكين المرأة التي أصبحت موجودة في كل مجال، وتبوأت مناصب عليا في الدولة والقطاع الخاص، ولم يعد هذا الملف ورقة للسخرية من المملكة وابتزازها به كما كان. تجاوزنا هذا الملف عندما حضر القرار وعندما تخلص المجتمع السعودي الطبيعي من غير الطبيعيين الذين كانوا يفرضون عليه وصايتهم.