من أكثر المقاطع الرائجة في يوتيوب حتى في قنوات الشباب الذين ليس لهم توجه ديني شامل هي مقاطع معنونة بمثل عنوان المقال تعد المضطرين المكروبين المحتاجين اليائسين الملتاعين على إجابة دعائهم وقضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم إن استعملوا صيغة دعاء معينة أو ذكر معين بعدد معين وكيفية معينة وهي ليست من الأدعية الواردة في القرآن أو السنة فسيتحقق لهم كل ما يريدونه وسيجاب دعاؤهم وتقضى حوائجهم وتفرج كرباتهم ويزعمون أنها مجربة ومضمونة، ومثل هذا الأمر ينم عن جهل جذري بحقيقة ذات الله والدين والعبادات والدعاء والذكر والغاية من الأصل من الحياة الدنيا ومعاناتها وينفي أدنى مصداقية لمثل تلك المقاطع والمزاعم، فالمسألة عندما تتعلق بالله لا تكون عملية آلية حسابية وإنشائية تعتمد على صيغ الكلام وعلى إعداد تكراره، فحقيقة الإجابة تعتمد على نوعية وحضور وعي الإنسان الداخلي القلبي العقلي الروحي العاطفي النفسي المعرفي السلوكي الأخلاقي، فالله لا ينظر إلى ظاهر الإنسان وظاهر كلامه وعدد تكرار الكلام، إنما ينظر إلى حاله الداخلي وحقيقته الداخلية وهي سبب الإجابة أو عدمها؛ ولذا النصائح الروحية الوحيدة التي لها مصداقية بالنسبة لإجابة الدعاء وقضاء الحوائج وتفريج الكربات هي التي تدل الإنسان على نوعية الوعي الداخلي العميق الذي يجب أن يتحلى به وما يوافقه مما ورد بالقرآن والسنة من أدعية وأذكار، فما يجعل دعاء شخص مقبولاً بينما دعاء آخر يدعو بذات الدعاء غير مقبول هو حضور الوعي الداخلي العميق وضبطه على المثاليات الروحية الأخلاقية المعرفية الشعورية السلوكية، وعندما يحضر الوعي الداخلي مع الله تلقائياً سيفيض عن الإنسان من القول ما يكون محل قبول عند الله بإذنه -سبحانه وتعالى-، وللأسف أن مثل هذا الإرشاد الروحي السلوكي المعرفي الجوهري الجذري المتعلق بنوعية وعي الإنسان الداخلي نادر جداً بعصرنا الحالي حيث التركيز فقط على الظاهر والمظاهر، وهذا يضاعف معاناة الناس ويضعف إيمانهم؛ لأن الروحانية الدينية هي أكبر عزاء وسند ودعم ومواساة وقوة للإنسان في أحوال الكرب الشديد الذي قد يدفع الإنسان للانتحار أو الإدمان أو السلوكيات المدمرة للذات، وعندما ينتشر الإرشاد الديني السطحي الذي فقط يتعلق بعدد تكرار الأدعية والأذكار وصيغها الظاهرية ويفعلها المكروبون ولا يجدون نتيجة لها يصابون بإحباط مدمر وتتضاعف عليهم كربهم وقد يفقدون إيمانهم وحتى يلحدوا؛ لأنهم في شدة كربهم لجأوا إلى الله مع وعد الإجابة السريعة العاجلة إن قاموا بتلك الأدعية والأذكار لكن بعد أن قاموا بها لم يتحقق لهم شيء، ولفهم لماذا لا يستجاب الدعاء عندما تكون نوعية وعي الإنسان الداخلي غير متطورة ومترقية ومنضبطة على بوصلة المثاليات الأخلاقية الروحية السلوكية المعرفية القلبية يجب التذكير بالغاية الأصلية من إيجاد الله للإنسان بمدرسة الحياة الدنيا وكل خبراتها الصعبة والقاسية والضاغطة، وهي تنمية وتطوير وتكريس نوعية وعيه ليصل إلى الدرجة القصوى في القدرة على معرفة الله والوعي بحقيقته، وبالتالي الارتباط به حق الارتباط، وكل ما لا يؤدي إلى هذه النتيجة فهو لا يحقق الغاية من العبادة والدعاء والأذكار، وبالتالي يجعلها غير مستجابة؛ ولذا معالجة الإحباط الإيماني المؤدي للإلحاد وهجر الدين لا يكون بكثرة التحذير من نظريات مؤامرة ولا بالتشدد والترهيب إنما بتصحيح نوعية الخطاب الديني خصوصاً في جانبه الروحي الذي يلجأ اليه الإنسان عادة عندما يكون في أحوج أحواله إلى الله بحيث إنه إن لم يستجب دعاؤه فردة فعله تكون جذرية ومتطرفة بنفورها من الدين بقدر ما كان إحباطه ومعاناته من عدم إجابة دعائه مع شدة اضطراره وكربه.