-A +A
أحمد الشمراني
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،

‏أرادَ السلطان سليمان القانوني أن يهدم إحدى السرايا القديمة،


‏ويقيم واحدة جديدة مكانها،

‏فسأل عن أمهر مهندسٍ في البلاد،

‏فقالوا له: ليس لكَ إلا المهندس معمار سنان!

‏وبالفعل أرسل السلطان في طلب معمار،

‏وأخبره بما يريدُ منه أن يفعل بالضبط،

‏وقبل معمار سنان هذه المهمة ومضى في تنفيذها،

‏إلى هنا يبدو كل شيءٍ عادياً ومألوفاً!

‏ولكن ما هو غير عادي أن السلطان كان يُتابع كل صغيرة وكبيرة،

‏وقد لفتَ نظره أن معمار سنان عندما بدأ بهدم السرايا،

‏استخدم لها عمالاً غير الذين استخدمهم

‏حين بدأ ببناء السرايا الجديدة!

‏فأرسل في طلبه وقال له:

‏يا سيد معمار عندما كنت تهدم السرايا استخدمت عمالاً،

‏ثم استبدلتهم في البناء، لِمَ فعلتَ ذلك؟

‏فقال له معمار سنان: يا جلالة السلطان،

‏من يصلح للتدمير لا يصلح للبناء!

‏ ‏تأملها بعمقٍ يا صاحبي،

‏من يصلحُ للتدمير لا يصلحُ للبناء!

‏خذها قاعدة يا فتى!

‏من جرحكَ ليس هو الذي سيداويك،

‏لا تبحث عن دوائك حيث كان داؤك!

‏خُذْ جرحكَ إلى مكان قصيِّ بعيدًا عنه،

‏والذي أنزل لكَ دمعتكَ،

‏ليس هو الذي سيمسحها عن خدك!

‏اليد التي تصفعُ ليس هي التي تحضن!

‏والذي كسر خاطرك،

‏ليس هو الذي سيجبره،

‏كُفَّ عن إعطاء الناس فرصاً إضافية!

‏من النضج أن تصل إلى قناعة أنه لا خير يُرجى من بعضهم!



‏يا صاحبي،

‏لستُ أدعوك لأن تكون قاسياً،

‏تعرفُ جيداً أني أُحبُّ اللين والليّنين!

‏وأنه يأسرني المتسامحون الذين يعضّون على جراحهم ويغفرون!

‏كل ما في الأمر أني لا أريدك أن تكون ألعوبة بيد أحدهم،

‏ولا أضحوكة في فم يتذكر طيبتك،

‏فيحسبها سذاجة ويبتسم!

‏ما أريدكَ أن تفهمه،

‏أنَّ من أمِنَ الفِراق أساء الوصل،

‏وأن الذي يسيءُ إليكَ لأنه ضامن بقاءكَ،

‏عليكَ أن تشعره أن بإمكانك أن ترحل!



‏يا صاحبي،

‏كلنا نُخطئ ونسيء!

‏ونحن بحاجة إلى أن نغفر للآخرين أخطاءهم،

‏لنجد من يغفر لنا حين نُخطئ،

‏ولكن شتان بين خطأ عابر،

‏يتبعه بعد ذلك اعتذار وجبر وطبطبة،

‏وأن تصرفاً قبيحاً واحداً،

‏يجب أن لا يضيع في بحر كبير من تصرفاتٍ جيدة!

‏ما أردتُ قوله أن تحذر السيء على الدوام،

‏ذاك الذي يجرحك كل مرة،

‏ويختار أن يكسب الموقف ولو على حساب خاطرك،

‏ذاك الذي يؤمن في قرارة نفسه،

‏أنك ستعود إليه بعد أن تداوي جرحكَ،

‏وترمم كسركَ!

‏هذا عليكَ أن لا تدير ظهركَ له كل مرةٍ ريثما تهدأ،

‏وتعود إليه ليعاود هو مرةً أخرى،

‏هذا عليكَ أن تستدير مرةً وتنظر في وجهه،

‏وتقول له: لقد اكتفيتُ!

‏ ‏والسلام لقلبكَ

التوقيع: ياسر المسيليم