البيان رقم واحد، السيطرة على التلفزيون الرسمي، محاصرة قصر الرئاسة وإعلان تعليق العمل بالمؤسسات الدستورية، يبدو ذلك سيناريو شهدته القارة السمراء عشرات المرات وكان آخرها في النيجر، بل إن هذا البلد نفسه شهد أربعة انقلابات منذ استقلاله في العام 1961، ومع ذلك فقد كان الانقلاب الأخير، الذي قاده قائد الحرس الرئاسي عمر عبدالرحمن تياني للإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم، مفاجئاً للإدارة الفرنسية. استثمر الغرب عموماً وفرنساً على وجه التحديد الكثير في سبيل الاستقرار السياسي، فكانت نيامي تحصل على مساعدات غربية تصل في مجملها إلى ملياري دولار. ومع ذلك هناك الكثير من العوامل التي تدفع إلى حالة عدم الاستقرار السياسي، فالديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع، وإنما هي بحاجة إلى أوضاع اقتصادية مستقرة ومشروع تنموي وطني، وهذا ما لم تحظ به النيجر منذ الاستقلال، حيث تعتبر البلاد من أفقر الدول على مستوى العالم بالرغم مما تختزنه من ثروات طبيعية. دول الساحل والصحراء ومنها النيجر، التي كانت مستعمرات فرنسية سابقة وبالرغم من نيلها الاستقلال في ستينيات القرن الماضي، إلا أن الاستعمار خرج من الباب ليدخل من الشباك، فهذه البلدان دخلت في شبكة علاقات معقدة مع المستعمر القديم بحيث تجعل باريس متحكمة بالثروة الاقتصادية والمؤسسة العسكرية والأمنية. العلاقة مع المستعمر القديم الذي يستنزف ثروات هذه الدول والفساد الهائل المنتشر في معظم دول وسط وغرب أفريقيا، أنتج حالة اقتصادية كارثية، ولكنه أيضاً أنتج نخباً عسكرية ومدنية باتت ترى فرنسا عبئاً عسيراً على واقعها السياسي والاقتصادي، وأصبح من التقليدي أن ترى الرئيس الفرنسي يتعرض لصرخات الاستهجان في كل مرة يزور فيها بلد من هذه البلدان. بالرغم من هذه التركيبة التي سادت على امتداد عشرات السنين وحدوث انقلابات متعددة إلا أن فرنسا استطاعت في كل مرة تدوير الزوايا بحيث تجير الانقلابات والتطورات السياسية لمصلحتها، وحتى وقت قريب فإن باريس تعتقد أنها تستطيع أن تلعب هذه اللعبة مرة أخرى. ما فات فرنسا أنها لم تعد اللاعب الوحيد في القارة السمراء، هناك لاعبون جدد ويريدون أن يكون لهم موطئ قدم، بل هم بالفعل امتلكوا هذا الموطئ، نتحدث عن الصين اللاعب الهادئ الذي يتمدد بنفوذه الاقتصادي بهدوء وروية حتى وصل عدد الشركات الصينية العاملة في أفريقيا إلى آلاف الشركات وحجم التجارة تجاوز 282 مليار دولار في العام 2022 فقط، ولاعب آخر لا يقل خطورة هي روسيا المتواجدة ليس فقط بالصيغة السياسية والاقتصادية، ولكن لديها الحضور الأمني والعسكري عبر مجموعة فاغنر. تم رفع الأعلام الروسية من قبل المتظاهرين الرافضين للوجود الفرنسي في النيجر وعلى الأغلب ذلك لم يأتِ رغبة أن تحل روسيا محل فرنسا، ولكن لكي يكون هناك توازن في النفوذ يعطي هامشاً من الحركة للأنظمة الحاكمة بما فيها النظام الانقلابي في النيجر. من الصعب تخيل أن باريس ستتخلى عن النيجر بسبب المصالح الاستراتيجية وخصوصاً وارداتها من اليورانيوم وكذلك الموقع الاستراتيجي المهم للنيجر ووجود قواعد عسكرية فرنسية مهمة جداً، ولكن بكل تأكيد المقاربة الفرنسية الحالية ستجعل من الانقلاب الحالي مسماراً جديداً في نعش النفوذ الفرنسي في أفريقيا عموماً، أيّاً كانت نهايته.