لم تكن عبارة: «سوف أسمع من يردّد النّغمة الصحوية الجاهزة: هل ترتضيه لابنتك لأختك لأمك؟
وردّي أنّ من يحتاج إلى مثل هذه الزيجات ويضطر إليها فهي حلال في شرع الله»، التي ذيّلت بها مقالي المنشور في هذه الزاوية يوم الجمعة 28 يوليو 2023م، تحت عنوان «كيف تحرمون ما أحل الله..»؛ إلّا قراءة استباقية وحدس لما توقعت أن يثيره المقال من اختلاف حول ما جاء فيه، لقناعتي -قبل الآخرين- إنه سيصادم قناعات راسخة في مجتمعنا حول الزواج، اختلط فيها العرف بالدين، فشكّلا صورة ذهنية غير مستعدة لقبول أشكال أخرى من الزواج، حكم عليها الشارع بالحل والإباحة، وإن بدت غير متسقة مع المستقر في العرف الاجتماعي السائد لدينا، ورغم تفهّمي المطلق لماهية الاختلاف وحتميته في المسائل الشرعية، وحقّ كلّ فرد، يملك القدرة على الحِجاج والمنافحة، أن يطرح رأيه المسنود بالأدلة والشواهد؛ إلا أنّه من غير المقبول على الإطلاق أن يتجاوز ذلك إلى الاستهداف الشخصي والأسري، بردود على مقالي المشار إليه؛ أقل ما توصف بها أنها تجاوزت المعقول والمحتمل، وبلغت حدّاً من «الصفاقة» و«سوء الأدب»، يفوق ما توقعته، لظني أنّ بالنّاس حياءً من تسطيره، وخُلقاً عاصماً من إجرائه على ألسنتهم في السر، ناهيك عن الجهر به في موقع عام.
على أنني، وبرغم ما مسّني وأهلي وأسرتي من ضرّ عظيم، وتشكيك في عقيدتي ومسٍ فاحش بأسرتي فلست هنا إلا صافحاً عنهم صفح من يدرك أنه ما ساقهم إلى ذلك إلا آفة «الجهل» بما كتبت، وفي أحسن الأحوال «عدم فهم» ما أوردته في سياق المقال، ودالة ذلك أنني
أولاً؛ لم أقدّم فتوى، فالفتوى لها أهلها ولم أتجرأ بتحريم أو إباحة، وإنما استندت في مقالي إلى ما أقرّه المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة عشرة برابطة العالم الإسلامي، حول موضوع عقود الزواج المستحدثة، فأحلّ بعضها وحرّم وتحفّظ على أخرى، ولمن أراد الوقوف على جليتها فليراجع مضابط تلك الدورة وما خرجت به في هذا السياق.
وثانياً؛ أنني قدّمت من الشواهد والأمثلة ما أظن أنه يمثّل مرتكزاً مهماً يعضد القناعات التي أرسلتها في المقال، بما توقعت معه سجالاً علميّاً من ذوي الحجى والعقل، نثري به ساحة النّقاش، ونفيد به القارئ، عوضاً عن سباب وشتائم كشفت عن سخام يتوطّن نفوساً تقيّحت بسوء الأدب.. فما جاء في المقال شأن علمي بحت في عالم الفقه وشؤونه، حول قضية تهم حياة النّاس، وكنت سأجد راحتي ومتعتي إن تفضّل من لهم سبق علم فأثبتوا لي خلاف ما فهمته من فتوى رابطة العالم الإسلامي، أو خلصت إليه من قراءاتي ومراجعاتي في فقه الزواج لدى الأئمة المعتبرين والمذاهب العديدة، ولست واقفاً في ذلك عند حد العصمة لرأيي، والظنّ أنّه الصّواب وما دونه خطأ؛ بل على العكس من ذلك، أملك من المرونة والقدرة على الاستيعاب والمراجعة متى ما بانت لي الحقيقة، واتّضح لي عدم تقديري السليم، أو فهمي الخاطئ لنص من النصوص، أو قضية من القضايا الفقهية، فسبحان من لا يخطئ، وجلّ من لا يسهو، وإنما نحن في معرض من العلم، وساحة للنقاش، وبحث مستمر من أجل الوصول إلى فقه يسيّر حياتنا على الوجه الذي لا يعوق تطوّرها، ولا يوقف نموّها الطبيعي المتّسق مع حركة الحياة من حولنا وانفتاحنا بعد سنين عجاف على آراء الآخرين. هذه النقطة تقودنا إلى «ثالثاً»، فمن خطل الرأي وفساده أن نغفل عن حقيقة مهمة تتصل بالإسلام، بوصفه الرسالة الخاتمة، والمعني بها النّاس أجمعين من لحظة تنزلها على الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذه «العالمية» التي هي سمةُ الإسلام، تعني -فيما تعني- قدرته على تفهّم كافة شعوب الأرض، وقدرته على معالجة قضاياها وشؤونها، بما يحفظ تنوّعها واختلاف مشاربها الثقافية، ومرتكزاتها الاجتماعية، ويقتضي ذلك تراحباً في فهم النص الشرعي، وتقديره لماهية الاختلافات في هذه المجتمعات، بما يحقق السلم والأمن والعيش الكريم، والعبادة الخالصة لله، ولهذا وجب أن ينفتح الفقه الإسلامي، ويخرج من «القوالب» المحفوظة، والموروثات، التي وإن صلحت وأدّت المطلوب منها في زمنها، فليست بصالحة مع قضايا العالم اليوم، وليس في هذا تعارض على الإطلاق مع جوهر رسالة الإسلام الخالدة، هذه قضية مهمة، تتصل بموضوعنا أشد الاتصال، وتكشف أننا نتعامل مع الإسلام وفق فهمنا ومحيطنا الاجتماعي وما استقر فيه، وأي اختلاف أو مخالفة لذلك فإنما هي خروج عن الدين.
وهذا احتكار للدين، وتسلّط وتشهّى لا وزن له، فإن أخذنا من الفقه ما يناسب مجتمعنا، فلا أقل من أن نترك للآخرين الأخذ من ذات الفقه ما يناسب مجتمعاتهم، دون رميهم بالزندقة والخروج عن ثوابت الدين، فإذا ما أجرينا هذا الفهم الواسع حول فقه الزواج، ونظرنا إلى المجتمعات الإنسانية في شتى بقاع الأرض، لوجدنا أن الصيغ التي أباحها الشارع وفق مخرجات مؤتمر رابطة العالم الإسلامي تتيح مساحات من القبول لدى مجتمعات عديدة، وفق شروطها الاجتماعية المختلفة عنّا كلّية، دون خروج عن الثوابت الإسلامية المرعية، فللرجل أن يشترط عند زواجه أن يأتي زوجته بالنهار لعمله في الليل أو له تجارة متنقله في النهار فلا يستطيع إلا ان يأتيها ليلاً أو أنه مقيم في منطقة أخرى ويشترط عليها أن يأتيها في الويكند فما العيب في ذلك.
هذا مبحث يطول فيه الحديث، ولا أملك -مع ضيق مساحة هذه الزاوية- إلا أن أعيد على من اختلف معي، وزاد بـ«الإساءة والتجريح»، القول بأنه ليس كلّ مباح يلزم الجميع أن يطبّقوه أو يحتكموا إليه أو يفعلوه، فإن صادم عندهم عرفاً راسخاً، فلهم في غيره سعة ومنادح، وهذه عظمة الإسلام وقدرته على التماهي مع كافة المجتمعات بفقه يوازن بين متطلبات عيشها على قاعدة الأمن والسلم، وبين الثوابت التي لا محيد عنها؛ «فلا ينبغي في شرع الله أن يكون المعيار في الحكم على تصرّفات الناس ومعاملاتهم بما يستقبحه الناس أو يستحسنونه بل بما ورد في شرع الله بالاجتهاد والنظر في كتاب الله وسنّة رسوله وما يتبعهما من إجماع أو قياس على أصل»..
وعند الله تجتمع الخصوم.
وردّي أنّ من يحتاج إلى مثل هذه الزيجات ويضطر إليها فهي حلال في شرع الله»، التي ذيّلت بها مقالي المنشور في هذه الزاوية يوم الجمعة 28 يوليو 2023م، تحت عنوان «كيف تحرمون ما أحل الله..»؛ إلّا قراءة استباقية وحدس لما توقعت أن يثيره المقال من اختلاف حول ما جاء فيه، لقناعتي -قبل الآخرين- إنه سيصادم قناعات راسخة في مجتمعنا حول الزواج، اختلط فيها العرف بالدين، فشكّلا صورة ذهنية غير مستعدة لقبول أشكال أخرى من الزواج، حكم عليها الشارع بالحل والإباحة، وإن بدت غير متسقة مع المستقر في العرف الاجتماعي السائد لدينا، ورغم تفهّمي المطلق لماهية الاختلاف وحتميته في المسائل الشرعية، وحقّ كلّ فرد، يملك القدرة على الحِجاج والمنافحة، أن يطرح رأيه المسنود بالأدلة والشواهد؛ إلا أنّه من غير المقبول على الإطلاق أن يتجاوز ذلك إلى الاستهداف الشخصي والأسري، بردود على مقالي المشار إليه؛ أقل ما توصف بها أنها تجاوزت المعقول والمحتمل، وبلغت حدّاً من «الصفاقة» و«سوء الأدب»، يفوق ما توقعته، لظني أنّ بالنّاس حياءً من تسطيره، وخُلقاً عاصماً من إجرائه على ألسنتهم في السر، ناهيك عن الجهر به في موقع عام.
على أنني، وبرغم ما مسّني وأهلي وأسرتي من ضرّ عظيم، وتشكيك في عقيدتي ومسٍ فاحش بأسرتي فلست هنا إلا صافحاً عنهم صفح من يدرك أنه ما ساقهم إلى ذلك إلا آفة «الجهل» بما كتبت، وفي أحسن الأحوال «عدم فهم» ما أوردته في سياق المقال، ودالة ذلك أنني
أولاً؛ لم أقدّم فتوى، فالفتوى لها أهلها ولم أتجرأ بتحريم أو إباحة، وإنما استندت في مقالي إلى ما أقرّه المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة عشرة برابطة العالم الإسلامي، حول موضوع عقود الزواج المستحدثة، فأحلّ بعضها وحرّم وتحفّظ على أخرى، ولمن أراد الوقوف على جليتها فليراجع مضابط تلك الدورة وما خرجت به في هذا السياق.
وثانياً؛ أنني قدّمت من الشواهد والأمثلة ما أظن أنه يمثّل مرتكزاً مهماً يعضد القناعات التي أرسلتها في المقال، بما توقعت معه سجالاً علميّاً من ذوي الحجى والعقل، نثري به ساحة النّقاش، ونفيد به القارئ، عوضاً عن سباب وشتائم كشفت عن سخام يتوطّن نفوساً تقيّحت بسوء الأدب.. فما جاء في المقال شأن علمي بحت في عالم الفقه وشؤونه، حول قضية تهم حياة النّاس، وكنت سأجد راحتي ومتعتي إن تفضّل من لهم سبق علم فأثبتوا لي خلاف ما فهمته من فتوى رابطة العالم الإسلامي، أو خلصت إليه من قراءاتي ومراجعاتي في فقه الزواج لدى الأئمة المعتبرين والمذاهب العديدة، ولست واقفاً في ذلك عند حد العصمة لرأيي، والظنّ أنّه الصّواب وما دونه خطأ؛ بل على العكس من ذلك، أملك من المرونة والقدرة على الاستيعاب والمراجعة متى ما بانت لي الحقيقة، واتّضح لي عدم تقديري السليم، أو فهمي الخاطئ لنص من النصوص، أو قضية من القضايا الفقهية، فسبحان من لا يخطئ، وجلّ من لا يسهو، وإنما نحن في معرض من العلم، وساحة للنقاش، وبحث مستمر من أجل الوصول إلى فقه يسيّر حياتنا على الوجه الذي لا يعوق تطوّرها، ولا يوقف نموّها الطبيعي المتّسق مع حركة الحياة من حولنا وانفتاحنا بعد سنين عجاف على آراء الآخرين. هذه النقطة تقودنا إلى «ثالثاً»، فمن خطل الرأي وفساده أن نغفل عن حقيقة مهمة تتصل بالإسلام، بوصفه الرسالة الخاتمة، والمعني بها النّاس أجمعين من لحظة تنزلها على الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذه «العالمية» التي هي سمةُ الإسلام، تعني -فيما تعني- قدرته على تفهّم كافة شعوب الأرض، وقدرته على معالجة قضاياها وشؤونها، بما يحفظ تنوّعها واختلاف مشاربها الثقافية، ومرتكزاتها الاجتماعية، ويقتضي ذلك تراحباً في فهم النص الشرعي، وتقديره لماهية الاختلافات في هذه المجتمعات، بما يحقق السلم والأمن والعيش الكريم، والعبادة الخالصة لله، ولهذا وجب أن ينفتح الفقه الإسلامي، ويخرج من «القوالب» المحفوظة، والموروثات، التي وإن صلحت وأدّت المطلوب منها في زمنها، فليست بصالحة مع قضايا العالم اليوم، وليس في هذا تعارض على الإطلاق مع جوهر رسالة الإسلام الخالدة، هذه قضية مهمة، تتصل بموضوعنا أشد الاتصال، وتكشف أننا نتعامل مع الإسلام وفق فهمنا ومحيطنا الاجتماعي وما استقر فيه، وأي اختلاف أو مخالفة لذلك فإنما هي خروج عن الدين.
وهذا احتكار للدين، وتسلّط وتشهّى لا وزن له، فإن أخذنا من الفقه ما يناسب مجتمعنا، فلا أقل من أن نترك للآخرين الأخذ من ذات الفقه ما يناسب مجتمعاتهم، دون رميهم بالزندقة والخروج عن ثوابت الدين، فإذا ما أجرينا هذا الفهم الواسع حول فقه الزواج، ونظرنا إلى المجتمعات الإنسانية في شتى بقاع الأرض، لوجدنا أن الصيغ التي أباحها الشارع وفق مخرجات مؤتمر رابطة العالم الإسلامي تتيح مساحات من القبول لدى مجتمعات عديدة، وفق شروطها الاجتماعية المختلفة عنّا كلّية، دون خروج عن الثوابت الإسلامية المرعية، فللرجل أن يشترط عند زواجه أن يأتي زوجته بالنهار لعمله في الليل أو له تجارة متنقله في النهار فلا يستطيع إلا ان يأتيها ليلاً أو أنه مقيم في منطقة أخرى ويشترط عليها أن يأتيها في الويكند فما العيب في ذلك.
هذا مبحث يطول فيه الحديث، ولا أملك -مع ضيق مساحة هذه الزاوية- إلا أن أعيد على من اختلف معي، وزاد بـ«الإساءة والتجريح»، القول بأنه ليس كلّ مباح يلزم الجميع أن يطبّقوه أو يحتكموا إليه أو يفعلوه، فإن صادم عندهم عرفاً راسخاً، فلهم في غيره سعة ومنادح، وهذه عظمة الإسلام وقدرته على التماهي مع كافة المجتمعات بفقه يوازن بين متطلبات عيشها على قاعدة الأمن والسلم، وبين الثوابت التي لا محيد عنها؛ «فلا ينبغي في شرع الله أن يكون المعيار في الحكم على تصرّفات الناس ومعاملاتهم بما يستقبحه الناس أو يستحسنونه بل بما ورد في شرع الله بالاجتهاد والنظر في كتاب الله وسنّة رسوله وما يتبعهما من إجماع أو قياس على أصل»..
وعند الله تجتمع الخصوم.