-A +A
طلال صالح بنان
يوم الخميس الماضي، أُقتيد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، مخفوراً، إلى مبنى المحكمة الفيدرالية العليا، وسط العاصمة (واشنطن)، ليَمْثُلَ متهماً بأربع تهم جنائية، في قضية أحداث ٦ يناير ٢٠٢١، خصماً لشعب الولايات المتحدة. بعد أن أُخذت بصماته، وقف ترمب أمام القاضية التي طلبت منه أن يردد اسمه كاملاً، دون ألقاب، ويذكر سِنّه، ثم تلت عليه، محذرةً إياه، بقواعد الانضباط داخل القاعة ومغبة إزدرائها، أن يرد، على كل تهمة بعبارة (مذنبٌ أم ليس بمذنبٍ). بدوره أجاب عن التهم جميعها (واحدة واحدة) بأنه غير مذنب. بعد أن سُجلت أقواله، جرى الإفراج عنه. ثم حددت القاضية يوم ٢٨ أغسطس الحالي، لبداية المحاكمة.

هكذا سارت إجراءات توجيه ثالث مجموعة من التهم للرئيس دونالد ترمب، خلال أربعة أشهر، في سابقة لم تحدث من قبل لرئيس أمريكي، منذ قيام الولايات المتحدة، من ٢٣٤ سنة. جميعها قضايا جنائيا كفيلة، في حالة الإدانة، أن تلُقي بترمب في السجن بقية عمره، لا أن تمكّنه من حكم الولايات المتحدة، لفترة رئاسية ثانية، لو حدث وإن فاز في انتخابات الرئاسة، نوفمبر ٢٠٢٤.


رغم خطورة هذه التهم، إلا أنها في حالة الإدانة عنها جميعاً أو عن بعضها، لن تحول دون الرئيس ترمب وخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وربما الفوز بالرئاسة، حتى لو دخل السجن، نظراً لأن أياً من هذه التهم، رغم خطورتها، ليست من التهم التي تقود إلى الحرمان من العمل السياسي.. أو حظر تقلد أي منصبٍ عام، التي تكلم عنها الدستور صراحةً مثل جريمة الخيانة العظمى، رغم أن أحداث القضية تدور حول محاولة الرئيس ترمب البقاء في الرئاسة (عنوةً) لفترة ثانية، البعض يصفها بمحاولة لقلب نظام الحكم! هذا التكييف القانوني المتحفظ للتهم، من قبل المدعي الخاص، ربما يرجع لتقديره صعوبة إقناع المحلفين بذلك، بوجه اليقين القاطع الذي لا يحتمل الشك.

هنا، نأتي للجانب السياسي للمسألة. الرئيس ترمب يحاول جهده استغلال هذه المحاكمات لزيادة شعبيته بين قاعدة الحزب الجمهوري العريضة التي تتسع، يوماً بعد يوم.. وواقع تصديق أغلبية الجمهوريين لمزاعمه بسرقة الديمقراطيين لانتخابات ٢٠٢٠ الرئاسية، عن طريق تزوير نتيجة تلك الانتخابات. بالتبعية: القاعدة العريضة للحزب الجمهوري ٦٩٪ ترى أنه هو الرئيس الشرعي للولايات المتحدة الأمريكية، لا الرئيس الديمقراطي الحالي (جو بايدن)!

هذه هي الورقة السياسية القوية التي يلعب بها الرئيس ترمب، ليبتز بها الحكومة.. ويبقي بها سيطرته على الحزب الجمهوري. آخر استطلاعات الرأي تشير إلى أن الرئيس ترمب يحظى بتأييد ٥٤٪ من الجمهوريين كمرشح للانتخابات الرئاسية القادمة، بينما أقرب المرشحين في سباق ترشيح الحزب لانتخابات الرئاسة القادمة، نوفمبر ٢٠٢٤، هو حاكم ولاية فلوريدا (رون ديسانتوس) يحظى فقط بتأييد ١٧٪ من الجمهوريين. لن تهتز نسبة التأييد الواسعة هذه للرئيس ترمب، إلا في حالة إدانة الرئيس ترمب بهذه التهم الخطيرة، عندها يصعب أن ينتخب الشعب الأمريكي شخصاً محكوماً عليه قضائياً، بارتكاب جرائم سياسية. ومما يفوت الفرصة على الجمهوريين، في انتخابات نوفمبر ٢٠٢٤ الرئاسية والتشريعية، أن الرئيس جو بايدن، يتقدم في استطلاعات الرأي على الرئيس ترمب، بفارق أربع نقاط ( ٤٤، مقابل ٤٠ نقطة).

باختصار: المحصلة الأخيرة، بسبب تأييد زعماء الحزب الجمهوري للرئيس ترمب، خوفاً منه لا رغبةً فيه، يجازفون بمستقبل الحزب، ربما لفترات طويلة قادمة. وإذا ما استطاع المحقق الخاص إثبات كذب الرئيس ترمب في زعمه الفوز بانتخابات ٢٠٢٠ الرئاسية، وعلمه بأنه كان يكذب وأقدم على سلوكيات يجرمها القانون، من شأنها أن تقوض الديمقراطية في الولايات المتحدة، ونجح في إقناع هيئة المحلفين بذلك، فإن ذاك يكون بمثابة النهاية القاصمة لطموحات الرئيس ترمب السياسية، بل حريته الشخصية، وربما إمبراطوريته المالية.

الرئيس ترمب يحتاج إلى معجزة خارقة، لإخراجه من سلسلة التهم الجنائية، التي تتوالى تباعاً ضده، ليدخل التاريخ كأول رئيس أمريكي، أنهى بقية حياته في السجن، بسبب طموحه الجامح للبقاء في سدة الحكم، رغم إرادة الأمريكيين.