-A +A
هيلة المشوح
لا شك؛ اوبنهايمر فيلم رائع بإمكانياته ومؤثراته ونجومه، ولكنه -كما يبدو- أراد أن يخلق ثغرة تاريخية في ذاكرة هذا الجيل لتجاوز الإرهاب والدمار الذي أحدثته كارثتا هيروشيما وناجازاكي تحت نيران قنبلتي «ليتل بوي وفات مان» الأمريكيتين عام 1945م، وفي الوقت الذي تتزايد فيه مناشدات ودعوات منظمات السلام في العالم للمطالبة باعتذار أمريكي؛ هل ينجح الفيلم في تبرير إرهاب وغطرسة أمريكا تجاه مدينتين كانتا آمنتين وتدميرهما بشكل تام في السادس والتاسع من أغسطس في ذلك العام، أي في الذكرى الثامنة والسبعين للكارثة؟!

النقد الفني والإبداعي للفيلم له متخصصون، وهو بلا شك فيلم رائع من حيث الإنتاج والضخامة والموسيقى التصويرية، ولكن النقد الأخلاقي متاح للجميع حين تكون المغالطات التاريخية فكرة قائمة بحد ذاتها لتغيير الصورة الذهنية لحدث تاريخي بشع، فضلاً عن تعزيز فكرة ضرورة إنهاء الحرب العالمية بهاتين الكارثتين اللتين حتماً ستنتجان تساؤلاً لدى المشاهد: كيف أصبحت صناعة سلاح مدمر وقاتل مسوغاً منطقياً لإنهاء الحرب؟ أم أن القصد هو صرف ذهنية المشاهد عن نتائج القنبلة النووية إلى فكرة الهدف من تصنيعها وترسيخه كمبرر؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً: ما أهمية إلقاء القنبلتين على اليابان بعد هزيمة ألمانيا واستسلامها بموت هتلر ما يعني فعلياً نهاية الحرب؟ وما علاقة كل تلك الأحداث التاريخية وصناعة سلاح نووي مدمر بأحداث العالم اليوم وخاصة حرب «روسيا وأوكرانيا»!


الثقوب السوداء في علوم الفلك منوطة بنظرية النسبية لتفسير الجاذبية للعالم الألماني البرت انشتاين وتابع أبحاثها العالم الفيزيائي اوبنهايمر «أب القنبلة الذرية»، وقد تكون الثقوب السوداء موجودة فعلياً في الفلك ولكنها بالتأكيد لن تكون في ذاكرة التاريخ الذي لن ينسى، ولن يصفح لمقتل 140 ألف روح بريئة في اليابان بمسوغات إنهاء الحرب، في حين أن الحرب قد انتهت بانتهاء النازية وهتلر، فما المسوغ الحقيقي لعرض فيلم بهذه الخروقات التاريخية لحادثة إنسانية بشعة في ذكرى حدوثها.. يا للوقاحة!

ختاماً.. حين يكون الحديث عن حدث إرهابي نادر دمر مدينتين وقتل عشرات الآلاف فإن هناك ناجين أحياء يروون اليوم أحداث «الأمس» المشؤوم وتلك القنابل العبثية التي ألقيت على رؤوسهم ورؤوس آبائهم وأحبتهم وذويهم.. فالتاريخ هو الفيصل وليس السيد كريستوفر نولان وشوية مؤثرات هوليوودية!