«إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية حليفة لك فلا تحتاج إلى عدو»، هذا كان قولاً لأحد الدبلوماسيين الفرنسيين في معرض تعليقه على إرسال الولايات المتحدة سفيرة جديدة لها في النيجر. بالرغم من أن باريس تشعر بأنها في نفس الخندق مع واشنطن خصوصاً مع التهديدات التي يمثلها الانقلاب في النيجر على مصالحها ولكن أيضاً على التوازنات في القارة الأفريقية بشكل عام ومنطقة الساحل والصحراء بشكل خاص، لأن هذا الانقلاب من وجهة نظر باريس سوف يخصم من النفوذ الغربي، وسوف يكون لصالح النفوذ الروسي والصيني، بل وحتى التركي. وإذا كان الأمر كذلك فمن واجب واشنطن أن تقف إلى جانب باريس بالدرجة الأولى، وكذلك إلى جانب مجموعة الإكواس في سياستها الرامية إلى إجهاض الانقلاب وإعادة النظام الدستوري المتمثل بالرئيس محمد بازوم. لكن واشنطن تعاملت مع الأمر بطريقة مختلفة فقد سارعت في البداية إلى إرسال مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند وحاولت فتح قنوات للحوار مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر ولكن رئيس المجلس الجنرال عبدالرحمن تياني رفض استقبالها، كما رفض السماح لها بمقابلة الرئيس المحتجز محمد بازوم. بالرغم من ذلك عمدت الإدارة الأمريكية إلى رفض تسمية ما حدث في النيجر باعتباره انقلاباً، بل واستمرت في تقديم الدعم والمساعدات بالرغم من العقوبات التي فرضتها مجموعة إكواس وكذا الاتحاد الأوربي. وأخيراً تسمية سفير جديد إلى نيامي، وكل هذه الخطوات جاءت دون التنسيق مع باريس. فيما نشرت صحيفة بوليتيكو الأمريكية تقريراً يتحدث عن خلافات بين فرنسا وأمريكا حول الوضع النيجري حيث تبدو واشنطن غير متحمسة للعمل العسكري كما أنها تريد تحقيق مصالحها بغض النظر عن المصالح الفرنسية، وأبرز تلك المصالح المحافظة على وجود القاعدة العسكرية الأمريكية في النيجر. هذا الموقف الأمريكي جاء ليزيد فجوة الخلافات بين البلدين خصوصاً بعدما عمدت أستراليا في العام الماضي إلى إلغاء صفقة للغواصات الفرنسية بتكلفة مليارات الدولارات وجاء ذلك بعدما قامت واشنطن بتوقيع صفقة بديلة وباعت لأستراليا غواصات أحدث. كما قامت واشنطن باستبعاد باريس من التحالفات التي نسجتها في المحيط الهادئ بالرغم من الوجود العسكري الفرنسي في تلك المنطقة. واشنطن تتعامل مع دول الاتحاد الأوربي فرادى ولا تقيم وزناً للاتحاد الأوروبي كمؤسسة، بل وتعاملت مع الدول الأوروبية باستغلال واضح عندما باعت أوروبا الغاز بأربعة أضعاف الأسعار التي كانت تشتري بها الغاز من روسيا، وجعلت تكلفة الحرب الروسية على أوكرانيا تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي. خيبة الأمل الفرنسية من المواقف الأمريكية دفعت وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان إلى وصف الموقف الأمريكي باعتباره طعنة في الظهر، ويبدو أن ما يحدث في النيجر هو طعنة أخرى. التساؤل المطروح في العاصمة الفرنسية، هل ستذهب باريس مع الإكواس إلى عملية عسكرية بغض النظر عن الموقف الأمريكي أم أن باريس سوف تراجع خياراتها وتتخلى عن هذا الخيار المحفوف بالمخاطر، الأكيد أن القرار صعب للغاية بالنسبة لسيد الإليزيه.