-A +A
علي محمد الحازمي
استناداً لمكانتها البحثية العالمية، أطلق ولي العهد، هذا الأسبوع الإستراتيجية الجديدة لجامعة «كاوست»، التي تهدف إلى تحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي من خلال التركيز على الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار. تتواكب هذه الإستراتيجية مع التحولات المتسارعة التي يعيشها العالم على جميع الأصعدة، حيث تواجه التنمية الاقتصادية المستدامة في جميع دول العالم تحديات تفرضها التطورات الحديثة الناجمة عن العولمة والمنافسة الشرسة. وفي ظل تلك الظروف، فإن التنمية الاقتصادية لأي دولة الآن بحاجة إلى الإبداع والابتكار، وزيادة القدرة التنافسية للصناعات المتقدمة، وزيادة كفاءتها، وإدارة مخاطر الاستثمار. ومن هذا المبدأ، فإن هذا هو المكان الذي يدخل فيه دور الجامعات البحثية حيز التنفيذ كمورد أساسي مع أصولها البشرية ومؤسساتها البحثية القادرة على إنتاج المعرفة والإبداع والابتكار المُمثلة في الباحثين ومراكز البحث والأقسام العلمية. وهنا لا بد من التشديد على أن الجامعات البحثية تعتبر مورداً للتنمية الاقتصادية ومن أهم مدخلات عمليات الإنتاج الاقتصادي القائم على المعرفة في هذا القرن، فهي جزءٌ لا يتجزأ من نظام إنتاج الابتكارات والتقنيات ونقلها إلى قطاع الأعمال والمجتمع.

المملكة، بإنشائها هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار وبإطلاقها إستراتيجية جامعة «كاوست»، تؤمن أن تضييق الفجوة المعرفية من خلال الأبحاث والابتكار وسدها هو عتبة الانتقال إلى التقدم؛ سواء كان ذلك ارتداداً اقتصادياً أو علمياً أو ثقافياً. اليوم ثروة الأمم لم تعد تتمحور حول مواردها الطبيعية، بل أصبحت ممثلة في المعرفة ولا شيء سوى المعرفة. وهذا يفسر كيف تحولت البلدان التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية؛ مثل اليابان وسويسرا والدنمارك وسنغافورة، إلى ثراء بسبب مواردها المعرفية المتركزة على دعم الجانب البحثي والتطويري. وحتى تتضح الرؤية، أصبحت مثل هذه البلدان من بين أغنى دول العالم وأعلاها نصيباً للفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى النقيض من ذلك، فإن بعض أغنى البلدان من حيث الموارد الطبيعية؛ مثل البرازيل وفينزويلا ونيجيريا، ذات دخل فردي منخفض من ناتجها المحلي الإجمالي مقارنة ببعض الدول التي لا تملك ثروات طبيعية، وهذا يفسر فشل تلك الحكومات في اعتبار الاقتصاد المعرفي القائم على البحث والتطوير أولوية في ميزانيتها السنوية.


تظهر الدراسات الحديثة أن أغنى الموارد غير المستغلة في العالم العربي، خاصة خلال القرنين الماضيين، هي قوة العقل البشري. وعلى الرغم من أن الدول الصناعية الكبرى قد سبقتنا كثيراً نحو النهضة التكنولوجية القائمة على البحث والابتكار منذ أكثر من قرن، إلا أن مسيرة نهضة الفكر الحديث لم تبدأ حتى العقود الأخيرة من القرن العشرين، مما يعطى الأمل في اللحاق بالركب، بشرط المسارعة في اتخاذ الخطوات الجادة للشروع في مجال الجانب البحثي؛ وفق رؤى وإستراتيجيات واضحة.