-A +A
وفاء الرشيد
كتبت صحيفة (الإيكونوميست) البريطانية في عددها بتاريخ ٢٤ أغسطس عن تراجع اقتصاد الصين بعد الطفرة الهائلة؛ التي حققتها منذ اندماج الصين في الاقتصاد العالمي سنة ١٩٧٨.

كانت الصين في السبعينات نتنج عُشر إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الآن تنتج ثلاثة أرباع ما تنتجه أمريكا، وقد أخرجت من الفقر في سنوات قليلة ٨٠٠ مليون فرد، وتحولت فعلاً إلى مصنع العالم الكبير. وكان حلم القيادة الجديدة في بكين احتلال مكان الولايات المتحدة عالمياً في سنوات قليلة، إلا أن الصين تعيش راهناً أزمة اقتصادية حقيقية بتراجع نسبة النمو إلى ٣% (في مقابل ٦% للولايات المتحدة)، وانهيار سوق العقار، وقيام نمط من الكساد المتزايد. وقد رجحت الصحيفة استمرار هذا الخط التنازلي بما من شأنه «إنهاء المعجزة الصينية».


هذا التحليل نقرأ مثله كثيراً في الصحافة الغربية، في سياق نقاش حاد حول الأولويات الإستراتيجية الغربية الراهنة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.

فبينما كانت إدارة الرئيس دونالد ترمب ترى أن الخطر الأكبر الذي يواجه مصالح الولايات المتحدة والغرب هو الصعود الصيني، ترى إدارة بايدن أن التحدي الأكبر هو روسيا الخارجة عن قواعد النظام الدولي والداعمة لحركة التمرُّد العالمي على الهيمنة الغربية، ولذا فإن المطلوب حالياً هو استمالة الصين وإبعادها عن النفوذ الروسي للحفاظ على التوازنات الدولية.

في ٢٠ يوليو الماضي، زار وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر (الذي تجاوز عمره القرن) الصين التي كان في السبعينات قد أشرف على انفتاحها على بلاده، وقد كرر بالمناسبة أهمية الشراكة الصينية الأمريكية لضمان السلام العالمي والتقدم الإنساني.

ومع أن العديد من المؤشرات التي تحدثت عنها صحيفة الإيكونوميست تفيد فعلاً بتراجع الاقتصاد الصيني، إلا أن إستراتيجية الصين للريادة العالمية لا تزال قائمة وتستند إلى دعامتين أساسيتين هما: الاستثمار الواسع في عناصر القوة التقنية المستقبلية من علوم فضائية وإلكترونية وذكاء اصطناعي، والتوسع في شبكات التجارة الخارجية من خلال طرق الحرير الجديدة التي تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، ومن خلال بناء تحالفات جديدة عالمياً من أهمها مجموعة البريكس التي عقدت قمتها الأسبوع الماضي في جنوب أفريقيا، وقررت ضم عدد جديد من الدول من بينها السعودية، والإمارات، ومصر.

وإذا كانت الصين تحرص على علاقاتها مع روسيا وقد تبنت خطاً مهادناً لها في الحرب الأوكرانية الحالية، إلا أنها تدرك أنها مرتبطة بالاقتصاد العالمي ولا تريد الصراع المفتوح مع أمريكا والغرب.

ولذا يمكن القول إن الإدارة الأمريكية هي التي تبدو مرتبكة في الملف الصيني، إذ تخشى أن تصبح الصين منافساً لها على الصعيد الدولي، وتريد أن يظل جرح تايوان معيقاً لحركتها ونموها، لكنها في الوقت نفسه تدرك أهمية تحييدها في الصراع المتفجر مع روسيا.

لقد قال كيسنجر إن على بايدن الاختيار بين الصين الحليف مع ما لهذا التوجه من مخاطر محتملة، والصين كخصم مع ما لهذا الخيار من مخاطر مؤكدة.