أقول حقاً إن الحروب حجارة تُلقى في بحيرة الهوى، فتتعكر مواعيد الأشواق.
كم شهيقاً تلقته الرئة أو نفثته منذ أن كنت بين أكناف الشام؟
الآن، تحاول الذاكرة لملمة ما بعثرته الأيام من ذكرى جميلة حين كنت في أحضان سوريا.
فأي ذكرى غارت، ومُحيت، وأي ذكرى ابتعدت، وأي منها تلاشت، وأي منها بقيت ثابتة صلدة، فلم يتغرغر بها الزمن وينفثها؟
حين طُلب مني الكتابة عن ذكرياتي عن مهرجان العجيلي، عمدت إلى التسويف، وبقيت منزوياً بذاكرتي في البعد، أي آلات نبش أحتاج إليها لتقليب المواجع أو الأفراح، أو الأحزان، فركام الحروب قوض كل الجمال الذي استقر في القلب، وفي البال. ومع إلحاح الصديق المبدع الدكتور نبيل سليمان، دعوت عليه سراً وجهراً، ماذا تفعل يا نبيل؟
أي ذكرى يمكن الخروج بها من بين كل أنقاض الزمن؟ سوريا مصابة بندوب الحروب عبر التاريخ؟
ركضت الذاكرة بعيداً، تقفز من مكان لآخر، كل الصفحات بها (محو وإزالة).. ومن بعيد، ومن الأبعد، أي حضارة مرت من هناك، وأين ذهب: الكنعانيون، الأموريون، الفينيقيون، الأراميون، وأين اللسان السرياني الذي حمل الحضارة ونزل بها إلى أعماق تربة الذاكرة البشرية، ومن أشعل تراب الشام منذ تلك العهود السحيقة؟
وكلما اجتزت وهداً انخفضت بك أوهاد، وفي عز قوتها طردت جحافل الطامعين، فهل عاد أحفاد هرقل لمحو عبارة جدهم «وداعاً يا سوريا الجميلة، وداعاً لا لقاء بعده»؟ هل عادوا لتثبيت أن سوريا ملعب أممي لحرق حقول الياسمين؟
جاهدك الله يا نبيل!
كيف أعود بالذاكرة وأنا يومياً أشاهد قنوات الأخبار وهي تغسل رداء سوريا الممزق، كل يوم ودمعة السوري تتصبب من كل مكان، فكيف أتذكر لحظات الفرح حين كنت هناك. نعم تتقافز وجوه مبدعة نسيناها من كثرة دق طبول الحرب حتى أن امتداد نهر الفرات أصبح شحيحاً في تدفقه، وأصبحت الأغاني لا تجد سبيلاً لإيصال مواعيد الهوى، كل قلب ارتحل في أوردة الأرض حتى وإن كان ماكثاً في مكانه، أي جرم حدث حتى أن الأغاني تموت؟
بالنزر اليسير أتذكر، هي أربع زيارات تباعدت زمنياً في حضوري للشام، تصور يا نبيل بعيدة هي، ومتقوضة في داخلي، كتقوض الأماكن والقلوب في الشام.. تصور أن تتقوض المخيلة فلا تُخرج من بين أطنان الركام شيئاً حياً، كل ذكرياتي عن الزيارات الأربع لم يبق منها إلا أشلاء ميتة، هل تستوعب - يا نبيل - أن تُقطع المخيلة، ليس بفعل الزمن، بل بتلاشي الضحكايات، ورحيل الغناء، وتيبس مياه الناس، وتفتت الأحلام، وجدب الفرح، أي مصير أريد بقلب سوريا؟
أعتذر يا صديقي، لم يعد بالذاكرة سوى أنقاض ذكرى لا تقيم مشهداً (فرائحياً). كل الذكريات مصلوبة في شوارع دمشق، أو حمص، أو منبج، أو حلب، أو اللاذقية، أو طرطوس، أو الرقة، أو حماة.
بطلبك - أن أكتب - تحولت إلى خياط ليس لديه قطعة سليمة ليفصل منها هنداماً (مقالاً) لائقاً، وجدت في ذاكرتي قطعاً ممزقة لا تصلح لشيء حتى أنها لا تصلح لأن تكون زاوية للكلمات المتقاطعة في زمن احتضار الورق.. جاهدك الله يا نبيل على طلبك وتلبيتي له!
كم شهيقاً تلقته الرئة أو نفثته منذ أن كنت بين أكناف الشام؟
الآن، تحاول الذاكرة لملمة ما بعثرته الأيام من ذكرى جميلة حين كنت في أحضان سوريا.
فأي ذكرى غارت، ومُحيت، وأي ذكرى ابتعدت، وأي منها تلاشت، وأي منها بقيت ثابتة صلدة، فلم يتغرغر بها الزمن وينفثها؟
حين طُلب مني الكتابة عن ذكرياتي عن مهرجان العجيلي، عمدت إلى التسويف، وبقيت منزوياً بذاكرتي في البعد، أي آلات نبش أحتاج إليها لتقليب المواجع أو الأفراح، أو الأحزان، فركام الحروب قوض كل الجمال الذي استقر في القلب، وفي البال. ومع إلحاح الصديق المبدع الدكتور نبيل سليمان، دعوت عليه سراً وجهراً، ماذا تفعل يا نبيل؟
أي ذكرى يمكن الخروج بها من بين كل أنقاض الزمن؟ سوريا مصابة بندوب الحروب عبر التاريخ؟
ركضت الذاكرة بعيداً، تقفز من مكان لآخر، كل الصفحات بها (محو وإزالة).. ومن بعيد، ومن الأبعد، أي حضارة مرت من هناك، وأين ذهب: الكنعانيون، الأموريون، الفينيقيون، الأراميون، وأين اللسان السرياني الذي حمل الحضارة ونزل بها إلى أعماق تربة الذاكرة البشرية، ومن أشعل تراب الشام منذ تلك العهود السحيقة؟
وكلما اجتزت وهداً انخفضت بك أوهاد، وفي عز قوتها طردت جحافل الطامعين، فهل عاد أحفاد هرقل لمحو عبارة جدهم «وداعاً يا سوريا الجميلة، وداعاً لا لقاء بعده»؟ هل عادوا لتثبيت أن سوريا ملعب أممي لحرق حقول الياسمين؟
جاهدك الله يا نبيل!
كيف أعود بالذاكرة وأنا يومياً أشاهد قنوات الأخبار وهي تغسل رداء سوريا الممزق، كل يوم ودمعة السوري تتصبب من كل مكان، فكيف أتذكر لحظات الفرح حين كنت هناك. نعم تتقافز وجوه مبدعة نسيناها من كثرة دق طبول الحرب حتى أن امتداد نهر الفرات أصبح شحيحاً في تدفقه، وأصبحت الأغاني لا تجد سبيلاً لإيصال مواعيد الهوى، كل قلب ارتحل في أوردة الأرض حتى وإن كان ماكثاً في مكانه، أي جرم حدث حتى أن الأغاني تموت؟
بالنزر اليسير أتذكر، هي أربع زيارات تباعدت زمنياً في حضوري للشام، تصور يا نبيل بعيدة هي، ومتقوضة في داخلي، كتقوض الأماكن والقلوب في الشام.. تصور أن تتقوض المخيلة فلا تُخرج من بين أطنان الركام شيئاً حياً، كل ذكرياتي عن الزيارات الأربع لم يبق منها إلا أشلاء ميتة، هل تستوعب - يا نبيل - أن تُقطع المخيلة، ليس بفعل الزمن، بل بتلاشي الضحكايات، ورحيل الغناء، وتيبس مياه الناس، وتفتت الأحلام، وجدب الفرح، أي مصير أريد بقلب سوريا؟
أعتذر يا صديقي، لم يعد بالذاكرة سوى أنقاض ذكرى لا تقيم مشهداً (فرائحياً). كل الذكريات مصلوبة في شوارع دمشق، أو حمص، أو منبج، أو حلب، أو اللاذقية، أو طرطوس، أو الرقة، أو حماة.
بطلبك - أن أكتب - تحولت إلى خياط ليس لديه قطعة سليمة ليفصل منها هنداماً (مقالاً) لائقاً، وجدت في ذاكرتي قطعاً ممزقة لا تصلح لشيء حتى أنها لا تصلح لأن تكون زاوية للكلمات المتقاطعة في زمن احتضار الورق.. جاهدك الله يا نبيل على طلبك وتلبيتي له!