-A +A
جميل الذيابي
بدايةً، لا بد من الاعتراف بأنني لست عارفاً بدهاليز كرة القدم العالمية، ولا المحلية، وربما حدودي لا تتجاوز متابعة أندية محددة، ولكن بحكم العمل المهني، أرى أن كرة القدم في لب اهتمامات وشغف السعوديين منذ عقود.

وعندما دخلت المملكة مرحلة التخطيط، وتحديد أهداف المستقبل، من خلال برامج رؤية 2030، توصلت الجهات العليا، بقيادة ديناميكية ذكية من عرّاب الرؤية والتغيير ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إلى آلية فريدة لدعم قطاع الرياضة، خصوصاً كرة القدم الأكثر شعبية في العالم، من خلال توظيف صندوق الثروة السيادية السعودي، بما يتيح للأندية النزول بقوة لساحة الانتقالات الدولية للاعبين من الشرق والغرب، من دون أية تدخلات مباشرة في شؤون الأندية. وهو دعم سلّط أضواء مكثفة على المملكة العربية السعودية KSA، التي أضحت قبلة لأشهر وأفضل لاعبي كرة القدم، الذين يتطلب انتقالهم عقوداً موثوقة وأموالاً طائلة.


وفي غضون فترة قصيرة تغيّرت ملامح الأندية ومعالم الدوري السعودي ونتائجه، بل أضحى أيضاً لدى السعودية دوري لكرة القدم النسائية. وهي خطوة لم يكن لها مكان في السعودية حتى وقت قريب.

بيد أن الصحافة الغربية -التي لا تعرف ماذا تريد من السعودية، وقائمة على الانتقادات الغبية لكل ما هو سعودي، بل لا تعجبها التغييرات الإيجابية السعودية الذكية- جعلت جلّ همّها التشكيك والتعريض والإساءة والاستخفاف، وأحياناً البذاءة الناتجة عن خِواء تلك العقول التي تتحدث عن السعودية، وهي لا تعرفها ولم تزرها، وربما لم تقرأ برامج رؤية المملكة 2030.

ولعل أبرز ما في هذا الجانب زعم صحف غربية معروفة بعدائها للسعودية، خصوصاً، الغارديان البريطانية، وواشنطن بوست ونيويورك تايمز الأمريكيتين، التي لا تتوقف عن الزعم أن النهضة التي تشهدها الرياضة السعودية لا تعدو أن تكون محاولة لـ «تبييض» وجه المملكة!

هل تثير تلك المزاعم الغضب أو الاهتمام السعودي؟ لا.. وألف لا. فقد ظلت السعودية تتعرض لهذه الإساءات الغبية الظالمة منذ عقود، وكانت القافلة تسير ولا تلتفت لكل ناعق أو حاقد أو حاسد.

وبات واضحاً أنها لن تتوقف إلا إذا خلعت السعودية عباءة انتمائها إلى شعبها وأرضها وهمتها، لترتدي الثوب الذي تحيكه لها تلك الصحف (الموجهة) التي بات محكوماً عليها بالاختناق والموت البطيء.

ما تشهده الدوريات السعودية هو ثمرة دراسة شاملة لواقع الرياضة السعودية، التي أصبحت محل متابعة العالم شرقاً وغرباً، وتلك هي الحقيقة بلا تزييف أو إطراء، ومن يستعرض القنوات العالمية بكل اللغات الناقلة لمباريات الدوري السعودي سيعرف الحقيقة.

لقد ظلت الأندية السعودية تعاني من نقص التمويل، واليوم توقع العقود بالملايين من الدولارات وفق خطط مرسومة ومشهودة.

ولا شك أن تدخل صندوق الاستثمارات السعودي واستحواذه على نسب واضحة في الأندية الجماهيرية قلب الموازين، وبدأ يحدث تغييراً شاملاً وسريعاً في المشهد الرياضي، مع الحفاظ الصارم على أهلية الأندية والرياضة السعودية، التي تتمتع باستقلالها الكامل في تسيير شؤونها. في حين أن الغارديان ونيويورك تايمز لم تغمزا الأندية الغربية وهي تتوسع في بورصة انتقالات اللاعبين. لكنهما تعتبران التحاق السعودية بالمشهد بوزنها المالي الكبير أمراً لا يجدر بها القيام به.. لماذا؟ لأنها يجب أن تتصرف وفقاً لآراء ومبادئ كتّاب افتتاحياتها ومقالات الرأي على صفحاتها. ولا تريد تلك الأقلام المسمومة أن تدرك أن نهضة الرياضة السعودية تمثل خطوة صغيرة ضمن مشروع سعودي كبير للتحديث، يبدأ بالاقتصاد، والتحوّل الرقمي، مروراً بالتعليم، والصناعة، والزراعة، والبيئة، وليس انتهاء بالرياضة، والترفيه. وقبل بدء تلك التحوّلات حدثت تحوّلات مهمة واستراتيجية في حقوق المرأة، وتمكينها، وكذلك حقوق الإنسان، وحوكمة الإدارة الحكومية، وتعزيز استقلالية القضاء.

الأكيد أن السعودية سائرة في برامجها ومشاريعها الكبيرة، ولا تكترث بعيون الصحافة الغربية حين تصاب بالعمى، ولا تبصر كل تلك الخطوات الجبارة.. ولذلك فتلك الوسائل الإعلامية بحاجة إلى جراحات عاجلة لتبديل عدساتها، وهو ما يمكن تشخيصه بمعايير اليوم بـ«الغباء الاصطناعي»!