-A +A
أسامة يماني
التنمية تعني عملية: تحويل أو تغيير حالة إلى حالة أفضل منها، وأيضاً تعني الفعل التطويري بأشكاله المختلفة؛ الذي يؤدي إلى رفع المستوى من مستوى أدنى نسبياً إلى مستوى أعلى وأفضل نسبياً، لهذا تعتبر التنمية ضرورة ووسيلة الإنسان وغايته. وهي: بمفهومها الواسع وبكل جوانبها وأبعادها تشمل كل جوانب الحياة؛ المجتمع، والاقتصاد، والإدارة، والسياسة والإنسان، والثقافة وغير ذلك من جوانب الحياة. ويقصد بالتنمية كذلك إحداث تطور في مجال ما بواسطة تدخل أطراف واستعمال أدوات من أجل الوصول إلى التطور والرقي.

التنمية، في واقعها، عنصرٌ أساسي للاستقرار والتطور الإنساني والاجتماعي، وهي عملية تطور شامل أو جزئي مستمر، وتتخذ أشكالاً مختلفة تهدف إلى الرقي بالوضع الإنساني إلى الرفاه والاستقرار والتطور بما يتوافق مع احتياجاته وإمكانياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. وكما أوضحت فالتنمية ضرورية لكل الجوانب الإنسانية من مجتمع واقتصاد وسياسة وخلافه.


إن مفهوم التنمية السياسية من المفاهيم الصعب الإجماع على ضبطها أو تحديد تعريف محدد لها، ويعود سبب صعوبة ضبط أو تحديد تعريف لحداثة مفهوم التنمية السياسية، ولأنه مفهوم مركب من مصطلحين أو مفهومين. وكثير ما يقع الخلط بينه وبين مفاهيم أخرى قريبة منه، وربما رآها البعض مرادفة له مثل التحديث السياسي، والانفتاح السياسي، والإصلاح السياسي، والانتقال السياسي، والديموقراطية. وكذلك لأنه يضم مفاهيم فرعية غامضة بدورها؛ مفاهيم سياسية وأيديولوجية وأخلاقية وفلسفية غير قابلة للقياس الدقيق والملاحظة العلمية، مثل العدل والمساواة والقدرة وغيرها. وقد جذبني للكتابة عن هذا الموضوع الحوار الثقافي مع صديقي وأخي العزيز البروفيسور صدقة فاضل أستاذ العلوم السياسية؛ الذي يعكف حالياً على تأليف كتاب عن التنمية السياسية لأهميتها، إذ يغيب عن بعض من المثقفين والإداريين إدراك ضروراتها.

يذهب ابن خلدون إلى أنه لبداية عملية التنمية، فلا بد من توافر شروط أساسية لبداية عملية التنمية، تحفظ للمواطنين حقوقهم وتفسح المجال لآمالهم، كما تحدث ابن خلدون أيضاً عن وسائل تحقيق تلك التنمية، حيث يؤكد أن الزراعة والتجارة والصناعة تمثل أوجه المعاش الطبيعية، وأن المجتمعات تزاول الزراعة أولاً، فإذا تقدمت نسبياً أضيفت إليها التجارة، فإذا ارتقى عمرانها جمعت إليها النشاط الصناعي الذي يتطور بشكل تدريجي بمرور الزمن. كما رأى ابن خلدون كذلك أن للدولة دوراً كبيراً في تحقيق عملية التنمية والتقدم، يتمثل في إزالة العقبات أمام نشاط الأفراد وتمهيد السبيل لهم لتحقيق العمران.

إن التنمية السياسية تعمل على إحداث مجموعة من المتغيرات لنقل المجتمع من نظام تقليدي إلى نظام حديث، وإحداث تحول في قدرة الإنسان وقابليته السياسية على الأخذ بزمام المبادرة. من أجل تأسيس وتطوير بنى جديدة وقيم عصرية قادرة على استيعاب ما يعرض من مشكلات والسعي لحلها والتكيف مع المطالب والتغيرات المستمرة، والسعي من أجل تحقيق أهداف جديدة. وإن أي نظام سياسي يفشل من خلال مؤسساته في التكيّف مع متطلبات ومستجدات بيئته الداخلية والخارجية يتعرض النظام السياسي لأزمات؛ منها أزمة الهوية وأزمة الشرعية وأزمة المشاركة وأزمة التغلغل وأزمة التوزيع.