كتبت مرة الشاعرة الكويتية الشيخة سعاد الصباح:
عسكري.. يوصي بنا عسكرياً
لا أراكم ربي نعال العساكر
يتوالى المشعوذون علينا
فبأي المشعوذين نفاخر؟
لقد عبرت الشاعرة عن أكبر مأساة في تاريخنا العربي المعاصر، وهو دخول الضباط «الأحرار» إلى مسرح السياسة.
منذ نهاية الأربعينيات ظهرت الأنظمة العسكرية بداية من سوريا، قبل أن تعم مناطق كثيرة مثل العراق ومصر وليبيا والسودان واليمن..
فقضى الضباط على التجارب الليبرالية التي عرفتها جل الدول العربية تحت الاستعمار الأوروبي، باسم الاشتراكية، قضوا على النسيج الاقتصادي في البلدان التي تحكموا فيها. وهكذا انهارت الزراعة في بلاد الرافدين، وتدمرت مصانع النسيج في مصر، ولم يغنم الشعب الليبي شيئاً من ثروته النفطية الهائلة.
كانت الثقافة أيضاً من ضحايا العسكر، كل الكتاب والشعراء والمفكرين والفنانين الكبار في مصر مثلاً ظهروا قبل الحقبة الناصرية من طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم إلى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ.
لماذا لا يقر البعض بأنهم خدعونا بشعارات التقدم والثورة والاشتراكية، وبأنهم كرسوا أسوأ الأنظمة العشائرية والطائفية.. سوقوا لنا كذبة الوحدة العربية وكان شغلهم الشاغل هو تفتيت الأمة وتفجير العلاقات ما بين الدول والتدخل في شؤون البلدان الأخرى.
كتب مرة الفيلسوف المصري حسن حنفي «ما نحتاج إليه هو المفكرون الأحرار وليس الضباط الأحرار»، وكان يعني أن الأنظمة الثورية كمّمت أفواه المثقفين وألغت هامش الحرية والإبداع المتاح لهم سابقاً، بينما التغيير الحقيقي لا يكون إلا عن طريق الفكر النقدي الحر.
لقد وصلت الأوضاع في الجمهوريات العسكرية الثورية حد تحريم كتب التراث الشعبي باسم حماية قيم الأمة، فحُرم في بعض البلدان كتاب «ألف ليلة وليلة» الشهير بذريعة خدش الحياء، مع أنه كان منتشراً على أوسع نطاق في المجتمعات العربية التقليدية..
ما لا يقر به الكثيرون هو أن أجواء الانفتاح والتحرر الفكري بدأت في البلدان التي يعتبرها أنصار العسكرتية الثورية بلداناً متخلفة مثلنا نحن في دول الخليج التي أنشأت الصحافة الدولية بمساحات الرأي الحر، والقنوات الفضائية المهنية، ومعارض الكتب الكبرى التي أنقذت سوق النشر في العالم العربي والجوائز التقديرية المشجعة للإبداع الثقافي والأدبي، بينما ماذا فعل العسكر؟
قبل عدة سنوات، نشر الكاتب الكويتي محمد الرميحي كتاباً هاماً بعنوان «الخليج ليس نفطاً»، وكان يقصد منه مطالبة المثقفين العرب باستكشاف الجوانب الإنسانية والمجتمعية الغنية في الشخصية الخليجية العريقة، بدل النظر إليها من زاوية آبار النفط وعائداته المالية.
والحقيقة أن البلدان النفطية العربية التي حكمها العسكر أغنى بكثير من دول الخليج وتتمتع بميزات لا تتوفر لمنطقتنا، لكنها فشلت في معركة التنمية والتحديث في حين نجحت بلداننا في هذه المعركة.
كان هيكل (كبيرهم الذي علمهم السحر)، يتحدث في الستينات والسبعينات عن صراع العروش والجيوش، متوقعاً أن تعم الثورات العسكرية العالم العربي. ما حدث هو أن عبدالناصر صدر الفكر القومي ومنها بدأت كل الأنظمة العسكرية تختزل الدولة فيها وكل قواهم التي امتلكوها كانت ضد الدول العربية بينما هم أكبر تجار لقضية فلسطين وأكثر من انتفعوا منها...
فعبدالناصر هاجم اليمن
وصدام احتل الكويت
والسوري احتل لبنان!
بينما الخليج بأنظمته التي حارب فكرها العسكر، وأولها الأنظمة الملكية، أثبتت قدرتها على قيادة مسار التنمية الإنسانية الناجحة وحماية مجتمعاتها من التفكك والضياع وحافظت للإنسان على كرامته، أما الأنظمة العسكرية فأظهرت فشلها الفادح في إدارة الدول والمجتمعات وبناء الإنسان وأبقته للأسف تحت البسطار.
عسكري.. يوصي بنا عسكرياً
لا أراكم ربي نعال العساكر
يتوالى المشعوذون علينا
فبأي المشعوذين نفاخر؟
لقد عبرت الشاعرة عن أكبر مأساة في تاريخنا العربي المعاصر، وهو دخول الضباط «الأحرار» إلى مسرح السياسة.
منذ نهاية الأربعينيات ظهرت الأنظمة العسكرية بداية من سوريا، قبل أن تعم مناطق كثيرة مثل العراق ومصر وليبيا والسودان واليمن..
فقضى الضباط على التجارب الليبرالية التي عرفتها جل الدول العربية تحت الاستعمار الأوروبي، باسم الاشتراكية، قضوا على النسيج الاقتصادي في البلدان التي تحكموا فيها. وهكذا انهارت الزراعة في بلاد الرافدين، وتدمرت مصانع النسيج في مصر، ولم يغنم الشعب الليبي شيئاً من ثروته النفطية الهائلة.
كانت الثقافة أيضاً من ضحايا العسكر، كل الكتاب والشعراء والمفكرين والفنانين الكبار في مصر مثلاً ظهروا قبل الحقبة الناصرية من طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم إلى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ.
لماذا لا يقر البعض بأنهم خدعونا بشعارات التقدم والثورة والاشتراكية، وبأنهم كرسوا أسوأ الأنظمة العشائرية والطائفية.. سوقوا لنا كذبة الوحدة العربية وكان شغلهم الشاغل هو تفتيت الأمة وتفجير العلاقات ما بين الدول والتدخل في شؤون البلدان الأخرى.
كتب مرة الفيلسوف المصري حسن حنفي «ما نحتاج إليه هو المفكرون الأحرار وليس الضباط الأحرار»، وكان يعني أن الأنظمة الثورية كمّمت أفواه المثقفين وألغت هامش الحرية والإبداع المتاح لهم سابقاً، بينما التغيير الحقيقي لا يكون إلا عن طريق الفكر النقدي الحر.
لقد وصلت الأوضاع في الجمهوريات العسكرية الثورية حد تحريم كتب التراث الشعبي باسم حماية قيم الأمة، فحُرم في بعض البلدان كتاب «ألف ليلة وليلة» الشهير بذريعة خدش الحياء، مع أنه كان منتشراً على أوسع نطاق في المجتمعات العربية التقليدية..
ما لا يقر به الكثيرون هو أن أجواء الانفتاح والتحرر الفكري بدأت في البلدان التي يعتبرها أنصار العسكرتية الثورية بلداناً متخلفة مثلنا نحن في دول الخليج التي أنشأت الصحافة الدولية بمساحات الرأي الحر، والقنوات الفضائية المهنية، ومعارض الكتب الكبرى التي أنقذت سوق النشر في العالم العربي والجوائز التقديرية المشجعة للإبداع الثقافي والأدبي، بينما ماذا فعل العسكر؟
قبل عدة سنوات، نشر الكاتب الكويتي محمد الرميحي كتاباً هاماً بعنوان «الخليج ليس نفطاً»، وكان يقصد منه مطالبة المثقفين العرب باستكشاف الجوانب الإنسانية والمجتمعية الغنية في الشخصية الخليجية العريقة، بدل النظر إليها من زاوية آبار النفط وعائداته المالية.
والحقيقة أن البلدان النفطية العربية التي حكمها العسكر أغنى بكثير من دول الخليج وتتمتع بميزات لا تتوفر لمنطقتنا، لكنها فشلت في معركة التنمية والتحديث في حين نجحت بلداننا في هذه المعركة.
كان هيكل (كبيرهم الذي علمهم السحر)، يتحدث في الستينات والسبعينات عن صراع العروش والجيوش، متوقعاً أن تعم الثورات العسكرية العالم العربي. ما حدث هو أن عبدالناصر صدر الفكر القومي ومنها بدأت كل الأنظمة العسكرية تختزل الدولة فيها وكل قواهم التي امتلكوها كانت ضد الدول العربية بينما هم أكبر تجار لقضية فلسطين وأكثر من انتفعوا منها...
فعبدالناصر هاجم اليمن
وصدام احتل الكويت
والسوري احتل لبنان!
بينما الخليج بأنظمته التي حارب فكرها العسكر، وأولها الأنظمة الملكية، أثبتت قدرتها على قيادة مسار التنمية الإنسانية الناجحة وحماية مجتمعاتها من التفكك والضياع وحافظت للإنسان على كرامته، أما الأنظمة العسكرية فأظهرت فشلها الفادح في إدارة الدول والمجتمعات وبناء الإنسان وأبقته للأسف تحت البسطار.