-A +A
حمود أبو طالب
صمثير ما يحدث في بعض الدول الأفريقية منذ فترة قريبة، العالم يراقب بدهشة ما حدث بالتوالي في أكثر من دولة بإزاحة منظومة الحكم السابقة وتولي قيادات عسكرية شؤون البلاد، صحيح أن الانقلابات في كثير من دول القارة السمراء تكاد تكون ظاهرة تضاف إلى بقية ظواهرها، لكنها في الآونة الأخيرة صارت تتمظهر بخطاب غير معتاد، يتحدث عن المصالح الوطنية والهيمنة الأجنبية على مقدرات البلاد، والسيادة على التصرف في الثروات، وتفريط الأنظمة السابقة في القرار الوطني، وغيرها من الشعارات التي تدغدغ مشاعر المواطنين.

من الحقائق المعروفة أن تلك الدولة غنية بثروات طبيعية مهمة وضخمة، إنها تنتج أكبر كميات اليورانيوم والنحاس والليثيوم بين دول العالم، بالإضافة إلى مناجم المعادن الثمينة، والأراضي الزراعية الخصبة، والثروات الحيوانية، لكنها في المقابل تعيش مستويات تنمية منخفضة جداً، وسبب ذلك -ببساطة- أن الدول التي كانت تستعمرها سابقاً هي المستفيد الأكبر منها بأبخس الأثمان وأتفهها، مقابل تواطؤ الأنظمة الحاكمة بالعمولات الضخمة والثراء الفاحش؛ أي أن الاستعمار ذهب اسماً لكنه استمر فعلاً بشكل آخر، ولهذا نجد المستعمر المستتر يرفض ويقاوم بشدة التوجهات التي أعلنتها الأنظمة الجديدة التي انقلبت على القديمة، دعونا فقط نتأمل المفارقة الحادثة في النيجر بشأن طلب مغادرة السفير الفرنسي ورفض فرنسا ذلك بحجة أن النظام الجديد غير دستوري مع أنه أصبح أمراً واقعاً.


وجهة النظر المتفائلة تنحو إلى أن هذه الانقلابات فيها النفس التصحيحي للتخلص من الهيمنة الأجنبية على قرارات تلك الدول وثرواتها، بينما وجهة النظر المتحفظة تميل إلى الاعتقاد بأن تجارب الأنظمة العسكرية الانقلابية لا تبشر بالتفاؤل لأنها إذا جثمت على بلد فلن يتخلص منها، وإذا حاول فإنه سيمضي إلى الأسوأ، ولن تتحقق الوعود بتسليم الحكم إلى سلطات مدنية، والشواهد على ذلك كثيرة.

إنها معادلة صعبة حين تكون خيارات البلدان بين سيئ وأسوأ، بين ماضٍ كئيب وحاضر مضطرب ومستقبل مجهول.