-A +A
عبداللطيف الضويحي
تتعدد أهداف المؤسسات العامة وتتنوع، وقد تتغير إذا دعت الضرورة تبعاً للوظيفة الأساسية لكل جهاز ومؤسسة وما يرتبط بها من مؤثرات وتطورات تتطلب الاستجابة والتناغم والانسجام مع مستهدفيها ومع بقية منظومة العمل الحكومي والقطاعات الأخرى.

وزارة التعليم ليست استثناء من هذه القاعدة. فقد مر التعليم بمحطات متعددة خلال السنوات الأربعين الماضية بذات الظروف والمتغيرات التي مر بها الجهاز الحكومي والمؤسسات العامة، والتي اقتضت الاستجابة والتناغم مع خطط التنمية بجانب عدد من المتغيرات، والمتمثل بعضها بالإمكانات البشرية والإمكانات المادية والاستجابة لكثير من المتغيرات التقنية، بالإضافة لمتطلبات الرقمنة والاستدامة والبيئة وفوق هذا وذاك متطلبات سوق العمل.


لكن كل هذه المتغيرات لا يجب ولا يجوز أن تحرف وزارة التعليم والعملية التعليمية عن الهدف الرئيس والأول وهو تعليم وتمكين الطلبة والطالبات من الكتابة والقراءة والتحدث بلغة عربية سليمة احترافية وأن تبقى العيون دائماً وأبداً هذا الهدف، مهما تحدثت الأهداف وتغيرت ومهما تطورت الوسائل.

يمكن لصنّاع السياسة التعليمية تحديد المرحلة أو المراحل العمرية أو التعليمية الكفيلة بقياس تحقيق هذا الهدف، والتأكد من قدرات الطلبة والطالبات في الكتابة والقراءة والتحدث، لا يجوز أن يتجاوز أي طالب طبيعي هذه المرحلة أو المراحل دون أن يكون متمكناً تماماً من الكتابة والقراءة والتحدث بطلاقة وبحرفية وفقاً لما يراه المتخصصون، ويجب أن تحاسب المؤسسة التعليمية والمدرسة والمعلمون والمعلمات، إذا تجاوز طالب أو طالبة إلى المرحلة التالية دون إجادة المهارات الثلاث المذكورة.

إن إدراج موضوعات الملكية الفكرية في المقررات الدراسية رغم أهميته لا يضيف شيئاً للطلبة والطالبات، كما أن إضافة أي مُحتوى مُهم إلى المقررات الدراسية لا يُضيف شيئاً مقارنة بإتقان الطلبة والطالبات لمهارات القراءة والكتابة والتحدث، والسبب بسيط وهو أن موضوعات الملكية الفكرية وكل المحتويات المهمة متوفرة في محركات البحث ولا تحتاج من المدرسة والجهاز التعليمي إلا توجيه الطلبة والطالبات لتلك الكنوز المعرفية، لكن الوصول لتلك الكنوز المعرفية وفهمها يتطلب مفاتيح يجب على المدرسة والجهاز التعليمي تسليح الطلبة والطالبات بها والتأكد من قدرتهم على استخدام تلك المفاتيح.

صحيح أن وزارة التعليم مثقلة بالمهام التعليمية وغير التعليمية في المملكة، لكن على وزارة التعليم -في المقابل- أن تعرف أن سياستها التعليمية هي المسؤولة عن التنمية في المملكة وهي المسؤولة عن تهيئة وإعداد الطاقات البشرية الجديرة بإدارة وتشغيل كل قطاعات وبرامج التنمية على قدم المنافسة وبأهلية عالية تفرضها المرحلة العولمية.

لا بد أن تستوعب وزارة التعليم أنها مسؤولة عن كيفية كتابة وقراءة وتحدث المهندسين والأطباء والمحامين والإداريين والكتاب والمحاسبين والقضاة والبنكيين والمزارعين وعن الإعلاميين. إن وزارة التعليم مسؤولة مسؤولية كاملة عن كيف يقرأ ويكتب ويتحدث شعب كامل.

إن مستويات الجيل الحالي وربما جيلين أو ثلاثة في القراءة والكتابة والتحدث تبعث على الشفقة، وأجزم أن الأجيال القادمة ستعيش غربة عن لغتها وهويتها وثقافتها، إذا لم تتحرك وزارة التعليم وتتحمل مسؤوليتها التاريخية وتتدارك الخطر.

إذا اتضح هذا الهدف جيداً واقتنع به صنّاع الإستراتيجية التعليمية والقائمون على السياسة التعليمية والمعلمون والمعلمات والإداريون والإداريات والطلبة والطالبات، تأتي بعد ذلك كل الأهداف التي يراها التربويون وصنّاع السياسة التعليمية، سواء تعليم لغات أجنبية أو ما شئت من المجالات المتعدد والمهمة. وإذا اتضح هذا الهدف للمعلمين والمعلمات والطلبة والطالبات ليس هناك من مبرر أو داعٍ لتقييد المعلمين والمعلمات بأساليب أو منهجيات تعليمية معينة أو طرق تربوية محددة، فمن حق المعلم والمعلمة أن يبتكروا أساليبهم ويجب حفظ حقوقهم وتكريمهم على ابتكاراتهم في أساليب التدريس والتعليم سواء في القراءة والكتابة والتحدث أو في غيرها من مواد دراسية.

أخيراً، يا وزارة التعليم.. علموا أبناءنا وبناتنا «كيف» قبل أن تعلموهم «ماذا»..

مكّنوا الطلبة والطالبات من مفاتيح المعرفة قبل أن ترموا بهم في لُجَّتِها.