-A +A
صدقة يحيى فاضل
كتب أخي وصديقي المستشار أسامة سعد اليماني مقالاً ضافياً، كعادته، في هذه الصحيفة، عن «التنمية السياسية» («عكاظ»: العدد 20637، 1/‏‏ 9/‏‏ 2023م، ص 7). والواقع، أن هذا المصطلح يعنى في «علم السياسة» مفهوماً يشير الى موضوع مهم، وضروري، وبشكل مستدام، لأي نظام سياسي في أي بلد، كما وضّح المستشار، في مقاله. ومما جعلني أتوقف عنده -طويلاً- أنه ذكرني بالموضوع الأكاديمي الذي اشتغل به، في هذه المرحلة، فنّوه بأنني أوشكت على الانتهاء من كتابة مرجع أكاديمي عن هذا الموضوع. كما ذكّرني شخصياً، بمقاله هذا، بأمر ما زال يزعجني، ويقلق أمثالي من الزملاء الذين اشتغلوا، بقدر أو آخر، في مجال تأليف المراجع الجامعية، في بلادنا العزيزة. ولعل من المناسب، قبل التطرق لهذا القلق، التطرق لملخص المفهوم العام لـ«التنمية السياسية»، في الوسط الأكاديمي السياسي العالمي.

****


إن «التنمية»، بصفة عامة، تعنى العمل على الانتقال بوضع طرف ما، من حالة إلى حالة أفضل، نسبياً. كما تعني: صيانة كيان ما، وإصلاح ما قد يلم به من أمراض وعلل، تعيق قيامه بأهدافه، كما يجب. فهي: عملية صيانة، وتطوير وإصلاح، وتحديث وعلاج. وهي تحصل، أو يجب أن تحصل، في كل المجالات، بما في ذلك مجال السياسة. إنها صيانة دائمة، في الأوضاع العادية، وعلاج وتطبيب في حالات الاضطراب، حيث يسميها البعض «الطب السياسي».

إن التنمية السياسية الإيجابية، في أي بلد، تستهدف النظام السياسي في ذلك البلد، خاصة عنصر «الحكومة» فيه. إذ تهدف لتطويره، وصيانته، وتحديثه، وبأهم ما يتعلق به من أمور، خاصة الشعب الخاضع له. وذلك ليتمكن من أداء وظيفته الكبرى (حكم وإدارة الدولة) بكفاءة وجودة، وبما يخدم المصلحة العامة، لأقصى حدٍّ ممكن. وغالباً ما تتواجد في كل برلمان لجان متخصصة، كل في مجال محدد. ومن ذلك اللجنة الدستورية؛ التي همها الأول هو القيام بالتنمية السياسية الإيجابية في بلدها، عبر متابعة الوضع العام، والتوصية بما يجب عمله، لصيانة، وتحديث، وإصلاح، وعلاج ما يجب تحديثه وإصلاحه، ومعالجته. وذلك، باعتبار أن التنمية السياسية هي عملية مستمرة، ومستدامة، وأنها يجب أن تكون «سياسة دولة». فكما أن على حكومة أي دولة، الحفاظ على الأمن (مثلاً) فإن عليها دائماً، وعلى مدار الزمن، الحرص على تطبيق التنمية السياسية المستدامة. فالنظام السياسي -أي نظام سياسي- بحاجة دائمة للصيانة، والتطوير. وهو المستهدف بالتنمية السياسية الإيجابية، وهو المسؤول الأول عن القيام بها، وتطبيق إجراءاتها.

****

إن التعريف العلمي - العملي الحديث لـ«التنمية السياسية» (الإيجابية) ينص على أنها: عملية مستمرة، تتضمن اتخاذ إجراءات لتحقيق وتعميق ودعم المشاركة السياسية لشعب دولة معينة (في صنع القرارات السياسية) وتدعيم انصهاره الوطني، ورفع مستوى وعيه السياسي، وإنشاء المؤسسات السياسية.. التي تستوعب القوى السياسية والاجتماعية المختلفة، في المجتمع، في إطار دستوري، وقانوني منظم. مع وضع وتبنى وتدعيم وتحديث النظم والقوانين الأساسية، الضرورية، الهادفة لتحديث النظام السياسي، وصيانته، ودعم انصهار ووعي الشعب المعني. وذلك يعمل لأقصى حد ممكن.

إن التنمية السياسية الإيجابية تعني: التطور الإيجابي، والتقدم للأمام، أما التنمية السياسية السلبية (أي عمل عكس ما تتطلبه التنمية الإيجابية) فتعني: التخلف، والرجوع للوراء، سياسياً. إن أريد لهذه الدولة، أو تلك، التعثر والتخلف، والجمود (وفي كل المجالات، تقريبا) فإن التنمية السياسية السلبية كفيلة بلعب هذا الدور الهدام، وتحقيق ذلك الهدف المدمر. علماً أن التنمية السياسية السلبية تظل دائماً واردة في بعض الأماكن والأزمان، خاصة في البلاد غير المستقرة، وفيما يعرف بـ«الدول الفاشلة».

****

وهناك علاقة وثيقة جدّاً بين التنمية السياسية الإيجابية، والاستقرار السياسي لأي بلد؛ فإهمال هذه التنمية، أو تجاهلها، غالباً ما يؤدي إلى: نمو وسيادة «عدم الاستقرار السياسي».. السافر، أو المبطن. أي أن إهمالها، سيعني: الاضطراب والقلاقل، عاجلاً، أو آجلاً. أما العناية الدائمة بها، والاضطلاع بما تقتضيه، فيؤدي إلى: استتباب الاستقرار السياسي، وتقوية اللحمة الوطنية، خاصة في المدى الطويل. ونمو وسيادة الاستقرار السياسي سيعني: سيادة الأمن والنظام، والسلام على أسس تقبلها الغالبية المعنية. ومؤشراته يمكن أن تتدرج من: زهو الشخص بمجتمعه، وتنظيمه، إلى تماسك المجتمع، وتكافله، حتى في أحلك الظروف، وأصعب الأزمات.

إن «الاستقرار السياسي» ضروري للحياة البشرية، ربما بقدر ضرورة الماء والهواء، فبدون استقرار سياسي مناسب، لا يمكن لدولاب الحياة العامة، في أي مجتمع، أن يدور؛ لأن انعدام الاستقرار السياسي (وسيادة عدم الاستقرار السياسي) غالباً ما يحيل حياة المجتمع؛ أي مجتمع، إلى جحيم لا يطاق، ويعطل سير الحياة العامة، بشكل طبيعي، وبناء.. ولهذا الحديث صلة.