-A +A
حسين شبكشي
منذ انطلاقة رؤية ٢٠٣٠ المثيرة والسعودية الجديدة تواصل إبهار العالم ومفاجأته بطرق عديدة ومختلفة، ومن ضمن المسائل اللافتة التي تفرعت عن هذا النهج الجديد هو الانفتاح الكبير على إعادة القراءة والتعمق في تاريخ المدن والمناطق في بلادنا الغالية لما فيها من تاريخ مهم وآثار عظيمة وقصص ملهمة. وفي هذا النطاق يخرج علينا كتاب جديد في منتهى الأهمية ومستحق للقراءة عن مدينة جدة بعنوان: «جدة وعبقرية المكان» لمؤلفه محمد أنور نويلاتي والصادر عن دار جداول.

قام الكاتب بمجهود هائل، نابع من اهتمام ومحبة لمدينته، بالبحث والتدقيق عن معلومات في غاية الأهمية عن مدينة جدة وتاريخها، وهناك العديد من المعلومات تظهر للعلن للمرة الأولى في هذا الكتاب القيم حصل عليها المؤلف بعد جولات عديدة تضمنت سفريات إلى مراكز بحثية مهمة في مناطق مختلفة من العالم تضمنت وثائق لافتة عن تاريخ مدينة جدة.


وقام المؤلف بتحليل عميق ودقيق للدراسات والمعلومات والوثائق والصور النادرة المتاحة عن تاريخ مدينة جدة وتم الربط بين ما هو علمي واجتماعي مع عدم إغفال العلاقة المهمة بين الجغرافيا والتاريخ في سياق بحثه الثري. وهذا ثاني كتبه عن تاريخ جدة؛ كان الأول عن أسطورة مقبرة حواء فيها، وبهذين الكتابين القيّمين يضع المؤلف اسمه بجدارة ضمن أهم مؤرخي جدة وأكثرهم جدية.

وشمل هذا الكتاب المهم والذي سيكون إضافة مهمة جداً للمكتبة السعودية التاريخيه منها تحديداً، وذلك لما احتواه من معلومات قيمة للغاية عن حقبة ما قبل التاريخ والعصور القديمة وتحليل ما تقوله الحفريات وعلومها وآراء الخبراء في هذا المجال، وتطرق المؤلف بشكل مدهش إلى الأحداث الدامية والعنيفة والمثيرة للجدل تحديدا في فترة القرن التاسع عشر ومعرفة أسبابها الحقيقية والتي انتهت بانتصار جدة على قوى الاستعمار الغربي. وبكل عشق ومحبة توغل المؤلف إلى أعماق الحياة الثقافية والروحية للمدينة في القرن التاسع عشر، والذي ساهم في تأسيس سمعتها كمكان للتسامح والتعايش.

الكتاب مميز في التوثيق والمعلومات والنهج العلمي المتبع وممتع في قراءته ويصل للقارئ في منتهى السلاسة والبساطة والوضوح، وهو شهادة جديدة وجميلة بحق السعودية الجديدة التي تعيد اكتشاف تاريخها بكل فخر واعتزاز.