بين الثروة والثورة تقارب لفظي، وتباعد معنوي، ومآسٍ دلالية، فالثروة حيناً نعمة، وربما تكون نقمة، والثورات لم تُثبت الشواهد إلى اليوم أنها نعمة، خصوصاً في عالمنا العربي، بدليل ما شهد من تفكك وانفلات وانقلاب النعيم المُبشّر به لجحيم، فالثورات لعنة تأكل أولادها، وتسلب الثائر كثيراً من مقومات سعادته واستقراره؛ بينما يمكن للثروة أن تهذّب الإنسان، وترتقي بحياته، ومنجزاته، فيما كثيراً ما تُغذّي الثورة بالفظاعة والفظاظة، وقطع الأواصر مع الأقربين قبل الأبعدين.
ويمكن أن أجزم بأن تقليدية الدولة وحداثتها رهن انفتاحها وانغلاقها، -وليس التقدم الصناعي أو العسكري (أفضلية) وإن كان فضيلة- إن لم يصاحبه تقدم الوعي على المستوى الفردي والجمعي،
وليست هناك فكرة، أو نظرية حُكم عبر التاريخ، إلا وعليها ملاحظات ولها نجاحات، وتمر بأزمات ومنعطفات تكسبها خبرات، عبر التراكمات، إلا أنه لا تراكمات ولا خبرات تُصحح المسارات إلا بتقبل النقد والمراجعة، ولا تقبّلَ نقدٍ ولا مراجعة إلا بوجود مفكرين موثوق بهم، وغير جامدين، فالجمود عجز، والعاجز متعصّب.
وعندما أبلغني مكتب الزميل رئيس التحرير بترشيحي لتمثيل الصحيفة في مناسبة كريمة وجّه دعوتها المكتب الإعلامي لمجلس الرئاسة الصيني، شعرتُ بالاعتزاز من جهة، ومسؤولية تثير سؤال (ما الذي يمكن فعله)، وزاد الشغف بتواصل قنصلية الصين في جدة وإتمام التأشيرة والحجز في زمن قياسي، وكانت فرصة التعرف على واقع بلد كبير وحاضر في المشهد العالمي بكثير من المعطيات المُعززة لعراقته التاريخية، إذ يعود تاريخ الصين إلى 4 آلاف عام، وابتكرت العديد من الصناعات، منها الورق، والبارود، والتسليف المصرفي، والبوصلة، والعملة الورقية، والألعاب النارية وغيرها.
وللحق فإنه لا تكفي أي كاتب أو باحث (تسعة أيام) للإلمام بشؤون وشجون شعب يتوزع على خريطة بحجم تسعة ملايين كيلو متر مربع، ويكاد يبلغ 2 مليار نسمة، وينتمي عرقياً لما يقارب (56 عرقيّة)، منها: هان، ومان، ومنغوليا، وهوي، والتبت، وتشوانغ، ومياو، ويي. ويشكّل تعداد قومية هان 94% من أبناء الشعب الصيني، بينما يشكّل تعداد القوميات الأخرى التي تسمى بالأقليات القومية في الصين 6%. ومن بين هذه القوميات الستة والخمسين 10 قوميات تعتنق الإسلام، هي قومية هوي (8.6 مليون نسمة)، والويغور (7.21 مليون نسمة)، والقازاق (1.11 مليون نسمة)، وقومية دونغشيانغ (374 ألف نسمة)، والقرغيز (142 ألف نسمة)، وسالار (88 ألف نسمة)، والطاجيك (34 ألف نسمة)، والأوزبك (14.5 ألف نسمة)، وباوآن (12 ألف نسمة)، والتتار (4.8 ألف نسمة).
وإذا كانت الثورة الماوية تشاركت مع الأديان والموروث، فإن الواقع يُثبت أن صين الحاضر تحترم جميع الأديان على الأقل هذا ما بدا لي، أو ما تحاول إبداءه، خصوصاً للعالم الإسلامي؛ إذ تؤمن دولة الصين بالمكوّن الإسلامي، وتحفظ للمسلمين حقوقهم، إلا أن العلاقة مع الله فردية، وهوية المواطنة جمعيّة، في إطار القانون الذي يحفظ لكل مواطن حقوقه ويلزمه بواجباته، وإذا كانت النظرية القديمة تقوم على مبدأ من كُلٍّ بحسب طاقته، ولكُلٍّ بحسب حاجته، فإنّ تحولات الزمن اقتضت منح الذي يعطي بكل طاقاته ما يعادل إنتاجيته.
بالطبع كان الحجز ذهاباً وإياباً على الدرجة السياحية، ما يعني أن الضيافة ليست فيها أدنى شبهة رشوة، كما أنك في مطار (غوانزو) تسبّع نفسك وتدبر أمورك، وإلا بكيفك، فليس هناك من يستقبلك، ولو كنت قادماً للمرة الأولى، وأجمل ما في الرحلة أننا غدونا للعمل، بكل ما تعنيه الكلمة، والعمل عند المضيفين أن تستيقظ مبكراً، وتنطلق عقب الإفطار للحافلة التي ستأخذك اليوم لموقع، وغداً لقطار، وبعد غد لمطار، فزرنا قرابة ثلاثين موقعاً في ثمانية أيام، وتنقلنا بين خمس مدن (غوانزو، أورومتشي، تروبان، ايلي، كشغر) بالطبع لم أواصل، واعتذرتُ في اليوم الأخير (غصب عنّي).
اختلفتُ مع المُضيفين من أوّل يوم، ففريق العلاقات العامة والإعلام لديه أجندة يريد تنفيذها بحذافيرها، ولكني كنتُ أطمح لتوفير المعلومة، لأكثر من ٦٠ صحفياً من بلدان عدة، وتمنيت عليهم لو جهّزوا لنا مركزاً إعلامياً متقدماً ليمكننا بث مواد يومية لصُحفنا، كما أن أخذ الزيارة لما يريده المضيف يشعرك باستخفاف ما بوعيك.
هناك تعددية كبيرة في بلد الملياري إنسان، وأقاليم واسعة وثراء ثقافي وفلكلوري، ولن تنفع أيٌّ من المكونات الثورة على الدولة بل يمكن الثورة معها وبها ولها، والثورة نسبية، ومجاز هنا؛ وأي أقليّة تستشعر أن ظروفها في ظل الدولة أفضل مما كانت عليه عبر تاريخها فلا شك أنها ستؤثر العيش في ظل الدولة ولن تفكّر في أي نزوع انفصالي، وفي ظل الدولة الصينية يمكن لكل العرقيات والاثنيات أن تحسّن ظروفها وترفع سقف مطالبها لنيل المزيد من الاستحقاقات وفق آليات سلمية تنقذ به مجتمعها من العنف والعنف المضاد.
ولعلنا نتفق مع الصينيين على أن جمعيات حقوق الإنسان لم تعد مزعجة، إثر كشف مخطط تهويلها لحجم بعض القضايا وتهوين البعض، إضافة لكونها مسيّسة وتضخم الأمور لابتزاز الدول بشيء من الحقيقة لا يُراد بها الحق.
للحق أن للتنمية وجوهاً بارزة في الصين والخدمات واصلة لكل مدينة وقرية، بما في ذلك مناطق المسلمين، مع الأخذ في الحسبان أن البلدان كثيرة السكان تفرز بكل ما يحتمله الفرز من معنى، إلا أن الصين الرقمية تثير الدهشة بإضعافها شبكات الاتصال والتواصل حد الريبة.
شكراً للصين، وشكراً للقنصلية في جدة، وللمترجمة الفاتنة (فاطمة) التي كان كل الضيوف مريحين لها إلا أنا، بحكم تحفظي على توجّه (رفض الإصغاء للضيوف) والتعامل معنا كأننا صينيون، ولنا الشرف بالطبع، إلا أن عادات الشعوب وثقافاتها ونفسياتها تتفاوت وتختلف.
في الختام ما يغدو واقعاً يصعُب تغييره، والحقائق كفيلة بالدفاع عن نفسها وليست بحاجة لمن يدافع عنها.
سألتني المُترجِمة الباسمة: «هل أنت في بلدك كاتب كبير؟»، فأجبتها: «ليس هناك كاتب كبير، بل هناك كتابة كبيرة».
ويمكن أن أجزم بأن تقليدية الدولة وحداثتها رهن انفتاحها وانغلاقها، -وليس التقدم الصناعي أو العسكري (أفضلية) وإن كان فضيلة- إن لم يصاحبه تقدم الوعي على المستوى الفردي والجمعي،
وليست هناك فكرة، أو نظرية حُكم عبر التاريخ، إلا وعليها ملاحظات ولها نجاحات، وتمر بأزمات ومنعطفات تكسبها خبرات، عبر التراكمات، إلا أنه لا تراكمات ولا خبرات تُصحح المسارات إلا بتقبل النقد والمراجعة، ولا تقبّلَ نقدٍ ولا مراجعة إلا بوجود مفكرين موثوق بهم، وغير جامدين، فالجمود عجز، والعاجز متعصّب.
وعندما أبلغني مكتب الزميل رئيس التحرير بترشيحي لتمثيل الصحيفة في مناسبة كريمة وجّه دعوتها المكتب الإعلامي لمجلس الرئاسة الصيني، شعرتُ بالاعتزاز من جهة، ومسؤولية تثير سؤال (ما الذي يمكن فعله)، وزاد الشغف بتواصل قنصلية الصين في جدة وإتمام التأشيرة والحجز في زمن قياسي، وكانت فرصة التعرف على واقع بلد كبير وحاضر في المشهد العالمي بكثير من المعطيات المُعززة لعراقته التاريخية، إذ يعود تاريخ الصين إلى 4 آلاف عام، وابتكرت العديد من الصناعات، منها الورق، والبارود، والتسليف المصرفي، والبوصلة، والعملة الورقية، والألعاب النارية وغيرها.
وللحق فإنه لا تكفي أي كاتب أو باحث (تسعة أيام) للإلمام بشؤون وشجون شعب يتوزع على خريطة بحجم تسعة ملايين كيلو متر مربع، ويكاد يبلغ 2 مليار نسمة، وينتمي عرقياً لما يقارب (56 عرقيّة)، منها: هان، ومان، ومنغوليا، وهوي، والتبت، وتشوانغ، ومياو، ويي. ويشكّل تعداد قومية هان 94% من أبناء الشعب الصيني، بينما يشكّل تعداد القوميات الأخرى التي تسمى بالأقليات القومية في الصين 6%. ومن بين هذه القوميات الستة والخمسين 10 قوميات تعتنق الإسلام، هي قومية هوي (8.6 مليون نسمة)، والويغور (7.21 مليون نسمة)، والقازاق (1.11 مليون نسمة)، وقومية دونغشيانغ (374 ألف نسمة)، والقرغيز (142 ألف نسمة)، وسالار (88 ألف نسمة)، والطاجيك (34 ألف نسمة)، والأوزبك (14.5 ألف نسمة)، وباوآن (12 ألف نسمة)، والتتار (4.8 ألف نسمة).
وإذا كانت الثورة الماوية تشاركت مع الأديان والموروث، فإن الواقع يُثبت أن صين الحاضر تحترم جميع الأديان على الأقل هذا ما بدا لي، أو ما تحاول إبداءه، خصوصاً للعالم الإسلامي؛ إذ تؤمن دولة الصين بالمكوّن الإسلامي، وتحفظ للمسلمين حقوقهم، إلا أن العلاقة مع الله فردية، وهوية المواطنة جمعيّة، في إطار القانون الذي يحفظ لكل مواطن حقوقه ويلزمه بواجباته، وإذا كانت النظرية القديمة تقوم على مبدأ من كُلٍّ بحسب طاقته، ولكُلٍّ بحسب حاجته، فإنّ تحولات الزمن اقتضت منح الذي يعطي بكل طاقاته ما يعادل إنتاجيته.
بالطبع كان الحجز ذهاباً وإياباً على الدرجة السياحية، ما يعني أن الضيافة ليست فيها أدنى شبهة رشوة، كما أنك في مطار (غوانزو) تسبّع نفسك وتدبر أمورك، وإلا بكيفك، فليس هناك من يستقبلك، ولو كنت قادماً للمرة الأولى، وأجمل ما في الرحلة أننا غدونا للعمل، بكل ما تعنيه الكلمة، والعمل عند المضيفين أن تستيقظ مبكراً، وتنطلق عقب الإفطار للحافلة التي ستأخذك اليوم لموقع، وغداً لقطار، وبعد غد لمطار، فزرنا قرابة ثلاثين موقعاً في ثمانية أيام، وتنقلنا بين خمس مدن (غوانزو، أورومتشي، تروبان، ايلي، كشغر) بالطبع لم أواصل، واعتذرتُ في اليوم الأخير (غصب عنّي).
اختلفتُ مع المُضيفين من أوّل يوم، ففريق العلاقات العامة والإعلام لديه أجندة يريد تنفيذها بحذافيرها، ولكني كنتُ أطمح لتوفير المعلومة، لأكثر من ٦٠ صحفياً من بلدان عدة، وتمنيت عليهم لو جهّزوا لنا مركزاً إعلامياً متقدماً ليمكننا بث مواد يومية لصُحفنا، كما أن أخذ الزيارة لما يريده المضيف يشعرك باستخفاف ما بوعيك.
هناك تعددية كبيرة في بلد الملياري إنسان، وأقاليم واسعة وثراء ثقافي وفلكلوري، ولن تنفع أيٌّ من المكونات الثورة على الدولة بل يمكن الثورة معها وبها ولها، والثورة نسبية، ومجاز هنا؛ وأي أقليّة تستشعر أن ظروفها في ظل الدولة أفضل مما كانت عليه عبر تاريخها فلا شك أنها ستؤثر العيش في ظل الدولة ولن تفكّر في أي نزوع انفصالي، وفي ظل الدولة الصينية يمكن لكل العرقيات والاثنيات أن تحسّن ظروفها وترفع سقف مطالبها لنيل المزيد من الاستحقاقات وفق آليات سلمية تنقذ به مجتمعها من العنف والعنف المضاد.
ولعلنا نتفق مع الصينيين على أن جمعيات حقوق الإنسان لم تعد مزعجة، إثر كشف مخطط تهويلها لحجم بعض القضايا وتهوين البعض، إضافة لكونها مسيّسة وتضخم الأمور لابتزاز الدول بشيء من الحقيقة لا يُراد بها الحق.
للحق أن للتنمية وجوهاً بارزة في الصين والخدمات واصلة لكل مدينة وقرية، بما في ذلك مناطق المسلمين، مع الأخذ في الحسبان أن البلدان كثيرة السكان تفرز بكل ما يحتمله الفرز من معنى، إلا أن الصين الرقمية تثير الدهشة بإضعافها شبكات الاتصال والتواصل حد الريبة.
شكراً للصين، وشكراً للقنصلية في جدة، وللمترجمة الفاتنة (فاطمة) التي كان كل الضيوف مريحين لها إلا أنا، بحكم تحفظي على توجّه (رفض الإصغاء للضيوف) والتعامل معنا كأننا صينيون، ولنا الشرف بالطبع، إلا أن عادات الشعوب وثقافاتها ونفسياتها تتفاوت وتختلف.
في الختام ما يغدو واقعاً يصعُب تغييره، والحقائق كفيلة بالدفاع عن نفسها وليست بحاجة لمن يدافع عنها.
سألتني المُترجِمة الباسمة: «هل أنت في بلدك كاتب كبير؟»، فأجبتها: «ليس هناك كاتب كبير، بل هناك كتابة كبيرة».