-A +A
وليد الكاملي
كانت الكتابة ولازالت هدفهاً ومستهدفاً لتطلعات الكثير من عشاقها وحتى للكثير من المؤسسات التي أضحت الكتابة جزءاً مهماً من صميم أعمالها، بل إنها أصبحت صفة تعريفية للأشخاص، حيث يلاحظ الكثير من هواتها وخاصة (الراكبون على سرجها) يضعون كلمة «كاتب» ليعرّفوا بأنفسهم كما لو أنها وظيفة أو منصب إداري جديد.

ولأن الأمر يتفاقم وقد يخرج عن السيطرة فإن الحديث عن ماهية الكتابة هنا أو القول عنها بأنها أهم أدوات التواصل الإنساني بعد المشافهة لأنها الوسيلة التي استطاع من خلالها الإنسان أن ينشر معارفه أو أي حديث مشابه لذلك سيعدّ ضرباً من ضروب التنظير و«التفلسف» الذي ليس له أي داعٍ بل إنه قد يكون هروباً فاضحاً من قلب المعركة التي يجب أن تعلن وبكل صراحة ضد (المتسلقين الجدد) وأصحاب الحقائب البنية والسوداء الذين يشجعونهم على التمادي في اقتحام ساحة هذا الفن الفطري ليدرّون من وراء جيوبهم مبالغ مالية وليضيفوا في سجلاتهم وسيرهم الذاتية التي لا تكفيها عشر صفحات: مدرب في الكتابة، دون أن يسألوا أياً من تلاميذهم إن كان مصاباً بداء الكتابة أم لا ؟!


وعندما أقول داء الكتابة فأنا أعي الكلمة وأتعمد قولها لا لشيء ولكن لأن الكتابة فعلاً داء يصيب صاحبه دونما علم أو إدراك منه، ينمو مع وجدانه ويرافقه كظله ويحبسه بكل لطف في زنزانة قلقه التي مهما حاول أن يتحرر منها إلا أنه سيجد نفسه عائداً إليها، وبرأيي غير المتواضع هذه المرة فإن أي شخص لا يشعر بمثل هذه الأعراض فعليه أن يوفر وقته وماله ويكف عن عيش الوهم بأنه كاتب وليثق بأنه مهما حاول أن يتعلم من أصحاب الحقائب آنفة الذكر فإن مصيره لن يكون إلا كمصائر أولئك «المغنين» الذين لمعت بهم الدنيا بضع سنين ولأسباب لا علاقة لها بأصواتهم ولا بأحاسيسهم أو كغيرهم من كل الذين اقتحموا ولا زالوا يقتحمون ساحات فنية لا يشعرون عندما يتعاطون معها أنها أعمق من شغف وأنها لا تشبه في حقيقتها إلا الداء الذي يصيب صاحبه.

ولطالما شعرت أن سؤال الكتابة يلاحقني ويفرض عليّ نفسه رغم أنني أتهرب منه خشية التقليدية التي جعلت الكثير من عشاقها -أي الكتابة- يسقطون فيه، لكن الواقع أن هذا السؤال ستراه في عين كل شخص يعرف عنك أنك تحب الكتابة وتتعاطاها كما لو أنها ملاذاً فاضحاً تجد فيه أمانك الذي لا أمن فيه، ولأن الكتابة فعلٌ يتماس مباشرة مع التفكير فهي ترجمان اللحظة، ولأن الكتابة لمعان الخوف وملاذ الأمان الفارغ -كما أسلفت- فهي اللحظة الكفيلة بلملمة مفارقات الحياة، وبما أنها الفعل الفاضح للعقل غالباً فهي فعل مجنون يشبه في جنونه فكرة الاستحمام خلف بلور يقبع في قلب سوق مكتظ بالناس.