من أكثر كليشيهات/ديباجات الخطاب الثقافي العربي هو الخاص بالتحذير مما يوصف بـ «الغزو الثقافي»، ويقصد به الإعجاب بثقافات الشعوب الأخرى والتأثر بها، وبالطبع يتم افتراض وجود مؤامرة منظمة خبيثة المقاصد لإحداث هذا التأثير، لكن السؤال لماذا الثقافة العربية ليس لديها القابلية لأن تغزو بقية بلدان العالم بما فيها إسرائيل التي تعتبر نقطة وسط بحر من العرب؟ لماذا حصل غزو ثقافي أمريكي وكوري وهندي لإسرائيل عبر موادها الفنية، بينما لم يحصل لها غزو ثقافي عربي، والعرب أقرب لغوياً وثقافياً لإسرائيل من تلك الثقافات؟ الجواب يبيّن أيضاً سبب الهوس العربي بنظريات المؤامرة حول الغزو الثقافي؛ فضعف وهشاشة وعدم جاذبية الثقافة العربية خاصة منتجاتها الفنية جعلت العرب متشوقين ومتلهفين إلى الثقافات الأخرى وجعلت منتجات الثقافة العربية عاجزة عن غزو إسرائيل، ولو كان هناك غزو ثقافي عربي لإسرائيل لكانت انتهت مشكلتها عبر تذويبها ثقافياً، فمشكلة العرب مع إسرائيل ليس في يهودية مواطنيها فالدول العربية فيها أقليات من أديان كالمسيحية عددهم أكبر من عدد اليهود في إسرائيل، إنما مشكلة العرب مع إسرائيل هو أنها غير مندمجة ثقافياً مع المنطقة، وتتصرف من هذا المنطلق، ولذا على صنّاع الثقافة العربية فعلياً دراسة خصائص الجاذبية الكامنة في المواد الفنية والثقافية للبلدان الآسيوية التي لها شعبية عالمية، والعوامل التي تجعل الثقافة العربية ليس لها شعبية حتى عند العرب تعادل شعبية المنتجات الفنية والثقافية الأجنبية، فكل تلك البلدان التي غزت العالم بثقافتها تستعين بالخبراء والمتخصصين لإجراء دراسات محلية وعالمية؛ لكي يصوغوا منتجاتهم الثقافية والفنية بناء على نتائجها، وليست عملية عشوائية كما هو الحال لدى العرب، بالإضافة لضعف العائد المادي الذي يحصل عليه صنّاع الثقافة العرب، فالصورة النمطية للمثقف العربي هو أنه شخص فقير تعيس محطم من شدة الفقر يبيع كتبه ليوفر تكلفة العلاج مهما كانت له سمعة كبيرة، وكل كتاباته عن تعاسة أحواله؛ ولذا لا توجد روايات خيال علمي عربية، وبسبب عدم وجود عائد مادي لامتهان الثقافة يعمل المثقف بمهن أخرى ليوفر دخلاً مالياً لأهله، وهذا لا يترك لديه الوقت اللازم والتفرغ الذهني والنفسي اللازم لتجويد صنعته الثقافية؛ ولذا القصص والروايات والمقالات العربية ضعيفة وسطحية وغير جذابة، وتبعاً لها ما ينبني عليها من أفلام ومسلسلات، فعندما يصبح للمثقف والكاتب العربي دخل مالي من عمله الثقافي يجعله يعيش مستوى حياة كريمة وآمن متفرغا لعمله الثقافي دون الحاجة للعمل في مهن أخرى عندها يمكن أن يتحسن المنتج الثقافي العربي، وبالتالي قابليته لأن يغزو العالم وإسرائيل ويذوبها ثقافياً، وبالتالي ينهي سياساتها غير الودية، فالمثقف هو الأساس الذي ينبني عليه كامل البنيان الثقافي للبلد والأمة، وعدم حصوله على دخل مالي مجزٍ من عمله الثقافي يجعل الأساس ضعيفاً وهشاً ولا يرتفع فوقه بنيان، وما زالت دور النشر وغيرها من المؤسسات الثقافية تستغل الكتّاب بشكل غير عادل؛ ولذا لا نرى كاتباً عربياً صار مليونيراً ومليارديراً مثل الكتّاب الغربيين، ولذا الدولة يجب أن تتدخل لصالح الكتّاب وتضمن حصولهم على أعلى دخل مادي من كل المؤسسات الثقافية؛ ليساعد ذلك بتجويد إنتاجاتهم الثقافية، وانتشار التأثير الثقافي يولد دافعاً عاطفياً للسياحة والاستثمار والدراسة في البلدان التي غزت العالم ثقافياً وشراء منتجاتها عبر الإنترنت إن لم تكن متوفرة بالأسواق، والدافع العاطفي يجعل الرأي العام العالمي منحازاً إليها في جميع القضايا حتى منها المتعلقة بالسياسة والحرب، ولذا خسائر العرب بسبب ضعف وعدم جاذبية منتجاتهم الثقافية لا تعد ولا تحصى بكل المجالات.