-A +A
صدقة يحيى فاضل
من المؤسف والمحزن، أن نرى بعض العرب الآن وهم يساهمون -سراً، وأحياناً علناً- في تمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها العدوانية في الأرض العربية. ونقرأ لبعض العرب معارضتهم -صراحة وضمناً- اعتبار المأساة الفلسطينية قضية عربية كبرى، والتشكيك والتهكم من هذا الاهتمام العربي بفلسطين، ومن جعلها القضية الأولى للأمة العربية، ناسين، أو متناسين، أن الصهيونية لا تريد فلسطين، وحسب، بل تريد رأس العروبة والإسلام؛ أي أن خطرها يشملهم تماماً. والبعض يتجاهل أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هو ضرورة حتمية، لحماية الأمن القومي العربي ككل. فهذه الدولة المأمولة ستسهم، لو قامت، في تحجيم إسرائيل، ووقف توسعها. ولا شك أن الفكر المتصهين يتناغم والأهداف الصهيونية - الاستعمارية في الأرض العربية.

جعَلَ الصهاينة قضية اللاجئين الفلسطينيين من أعقد قضايا مفاوضات التسوية السلمية، وخاصة وفقاً لاتفاق أوسلو؛ الذي تم التوصل إليه في مفاوضات سرية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، في سبتمبر 1993م. ووفقاً لما يعرف بـ«إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي» الموقّع في واشنطن، بحضور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني الراحل إسحاق رابين، وإشراف الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، في البيت الأبيض، في 13/‏‏9/‏‏1993م، تم الاتفاق على تأجيل عدد من القضايا ذات الطبيعة المصيرية، إلى مفاوضات الوضع النهائي، التي كان مقرراً لها أن تتم في مايو من عام 1997م، وأن تتوج بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.


ولكن تعنت اليمين الإسرائيلي حال دون استمرار المفاوضات السلمية الشكلية، وأدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى المبارك) التي أشعل فتيلها «آرييل شارون»، رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق، بزيارته لباحة الأقصى، وتدنيس أولى القبلتين، بتاريخ 28 سبتمبر من عام 2000م، تحت حراسة ثلاثة آلاف من جنود الاحتلال الإسرائيلي، ومباركة من «أيهود باراك»، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنئذ. ومعروف، أن من أهم القضايا ذات الطبيعة المصيرية (في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي)، كانت (وما زالت) هي قضايا: اللاجئين الفلسطينيين، والقدس، والدولة، والسيادة، والمياه، والأمن، والحدود.

ولكن التيار اليميني الإسرائيلي المتطرف، الذي بدأ يحكم إسرائيل منذ حوالى عقدين، أجهض أي تفاوض جاد بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين. وكان -وما زال- يرفض بشدة قيام دولة فلسطينية، ناقضاً كل الاتفاقات والوعود السابقة، ورافضاً كل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومؤكداً بأن إسرائيل لا تريد السلام، بل الاستسلام العربي والفلسطيني، لأطماعها المعروفة، من النيل الى الفرات.

في إحصائية نشرت في عام 2016م، تبين أن مجموع الفلسطينيين في العالم، في نهاية ذلك العام 2016م، وصل إلى 12.706.000 نسمة تقريباً؛ منهم 6,416,000 يعيشون الآن داخل فلسطين المحتلة عام 1948م، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، بما نسبته 50.5% من مجموعهم. بينما يعيش حوالى 6.290.000 نسمة، بما نسبته، 49.5% من الفلسطينيين، في بلاد عربية وأجنبية، كلاجئين ومشردين، كما يوضح البيان التالي:

وإذا ما أخذنا في الاعتبار معدل الزيادة السنوية الطبيعية للاجئين الفلسطينيين، الذي يعتبر من أعلى نسب الزيادات السكانية الطبيعية في العالم (حوالى 4% سنوياً) فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين -لا شك- ربما يصل الآن لحوالى سبعة ملايين.

نعود للقرار 194/‏‏1948م، المنشئ لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، الذي ينظر إليه المراقبون المحايدون بأنه يعني: أن حق العودة هو حق مطلق، غير قابل للتصرف، أو التقادم. وحق هؤلاء اللاجئين في التعويض، عادوا أم لم يعودوا، هو حق ثابت، حسب نص القرار. وهذا هو مضمون الموقف العربي والفلسطيني، تجاه هذا القرار. ولكن إسرائيل ترفض عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتعتبر القرار 194/‏‏1948، ذا طبيعة اختيارية، لكونه لم يصدر وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما تنفي إسرائيل (كاذبة) إجبار اللاجئين على مغادرة ديارهم، وتطالب بتوطينهم حيث هم..!

ولكن هذا التفسير لم يكن وارداً، ولم يكن صحيحاً، وقت صدور ذلك القرار... بدليل أن قيام دولة إسرائيل نفسها تم بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة (أي القرار 181/‏‏1947). ذلك القرار الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة عربية وأخرى يهودية، مع إقامة كيان خاص بالقدس. وعلماً أن قبول إسرائيل كعضو في منظمة الأمم المتحدة، تم بشرط قبول إسرائيل بالقرارين 181/‏‏1947م، و194/‏‏1948، الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة – كما ذكرنا آنفا.

ولكن إسرائيل ما زالت ترفض الالتزام بالقرار 194/‏‏1948م، وتفسره على نحو مغاير لجوهره. وما زال «المجتمع الدولي» يحابي إسرائيل، ولا يحاول إلزامها بتنفيذ هذا القرار الأممي المهم... بل إن «الغرب» -بصفة عامة- يتلمس ماذا تريد إسرائيل، ليلبيه على الفور. اذ أصبح «إرضاء» إسرائيل (بالنسبة لمعظم الغرب) غاية... يسعى قادته لتلبيتها، ويتسابق زعماؤه لتحقيقها. وذلك ليس محبة في الصهاينة، وإنما كراهية للعرب، ونكاية بالمسلمين. الأمر الذي يصعب على الفلسطينيين والعرب الدفاع عن قضيتهم الأولى، لأن الخصم الحقيقي هو الغرب، بكل إمكاناته.

كان (وما زال) بالإمكان تسوية القضية الفلسطينية عبر تسوية قضية اللاجئين أولاً، بما يرضي كل الأطراف. ولكن التعنت الإسرائيلي (المدعوم من الغرب، للأسباب الكيدية) يقف حائلاً دون إنهاء هذه المأساة الإنسانية الصارخة. والشيء نفسه (تقريباً) يمكن أن يقال عن كل القرارات الأممية الأخرى، ومنها القراران الدوليان الشهيران: 242/‏‏1967م، و338/‏‏1973م.