-A +A
عبده خال
الآن ليس هناك موضع للوم، كون حماس استطاعت القيام بضربة موجعة لإسرائيل، فما حدث حدث، ومهما قمنا بتفلية القضية الفلسطينية، فإننا سنجد أخطاء جسيمة حدثت، وعلى مستوى المواجهات بين حماس وإسرائيل أصبح السيناريو بين المواجهات المتعددة يكاد يتطابق في كل مواجهة.

وسوف تتكرر معطيات المواجهة الأولى بالمعطيات الأخيرة.


فالمواجهات تأتي في موسمها، فقد ألفنا حدوثها زمنياً، فبعد كل سنتين تحدث مواجهة وتكون نتائجها واحدة.

وما لم تحل القضية (ليس بتفهم الأطراف وإنما بالضغط من قبل الدول الكبرى على الطرفين قبول فكرة الدولتين)، وإن كان هذا الضغط لن يحدث، فهذه الحرب أظهرت الميل الجارف للدول الغربية في مناصرة إسرائيل ظالمة أو مظلومة.

ولأن نتائج هذه الحرب معروفة مسبقاً، فقطاع غزة سوف ينسف تماماً حجراً وشجراً وبشراً.. ومع ذلك لن يفنى الشعب الفلسطيني، ولأن الفناء يصيب الفرد وليست الأمة، ولأن الأفكار لا تموت سيظل الصراع قائماً، فلنتحدث بعدما ترخي الحرب ذيولها.

وأول ما يجب فعله من قبل حماس، أن تعود إلى المنظمة الفلسطينية، إذ لا يمكن مناصرة قضية سياسية افترقت عن السلطة، ففي العرف السياسي لا يتم مساندة منشقين عن السلطة، كونها هي المعترف بها دولياً، وحماس تعتبرها الدول الغربية جماعة إرهابية، وبين الانشقاق والإرهاب فحماس لم تحقق الشرط العسكري للانتصار، ولن تحقق الاعتراف بها سياسياً.

وبغض النظر عن الديمقراطية المزعومة والمدفوعة بقوى خارجية بجعل حماس منتخبة، في دورة انتخابية سابقة وقديمة ومنتهية، إذا كان السيناريو السياسي هو إضعاف المنظمة الفلسطينية، أقول بغض النظر أن حماس انحرفت عن الجماعة، والانحراف هنا ليس انحرافاً دينياً بل بالمفهوم النضالي، فهي أسّست تحالفات سياسية لها مرجعية إرهابية لدى دول كثيرة، ونضالها خارج الإجماع الفلسطيني يؤدي إلى أضرار كثيرة بالشعب، ففي كل الحروب التي خاضتها مع إسرائيل منفردة كانت نتائجها وخيمة على الشعب، تبدأ بإزهاق أرواح المدنيين ولا تنتهي بالتدمير الشامل لقطاع غزة، فحماس ليست معسكراً أو جيشاً يمكن اللوم على أي تفجيرات أو تدمير يلحق بالمدنيين بل تحول القطاع مجتمِعاً إلى هدف، ولو أردنا الوقوف هنا، يمكن لوم حماس حين تدعي أنها انتصرت، فأي انتصار حدث على جثامين الناس ودمار مساكنهم ومواقع أعمالهم، أي انتصار والمحصلة الابتعاد عن الحياة الطبيعية للسكان، والذين سينتظرون كثيراً لعودة الحياة إلى ما قبل الصراع الأخير، فقبله كان الوضع مؤسفاً، والآن أكثر تردياً.

وإذا كان التحرير هدفاً إستراتيجياً، يحتاج إلى الجمع بين الفرقاء، توحدوا كشعب تحت قيادة واحدة، وارتضوا بحل الدولتين لكي يكون لديك مكان تعيشون فيه، وعشرات الدول كانت تحت الاحتلال ولم تنسَ أبداً أنها محتلة، الفرق بين الدول التي تحررت، أن لها رأياً واحداً وقائداً واحداً، وليس هناك عشرات الرؤوس، كل جماعة تريد إشعال الحرب من غير مقومات تحقق له الدفاع، أو الحماية، أو التحرير.

ومع تشاؤمي من قيادة حماس وما تقترفه من أخطاء جسيمة، أقوم باستحضار الأمل في تنسيق جميع الفصائل والسعي للوصول إلى فكرة الدولتين، وهذا الرضا سوف يمكّن الشعب الفلسطيني أن يعيش وينمو وينتج.

لتنسى جراحك وبسبب ألمك تدمر شعباً كاملاً، فالإحساس بألم الجرح أفضل من الترحم على من مضوا أمواتاً من غير نتائج تبقي الشعب حياً.

أعرف أن القضية الفلسطينية عادلة إلا أن قادتها لم يستوعبوا أن الحلول التي مضت لن تعود بنفس الزخم، عشرات الحلول تم التفريط بها، وفي كل زمن الذين يتمنون لو أن تلك الحلول تم القبول بها، الآن لا تأخذكم العزة بالإثم وتواصلون قتل الناس البسطاء، فهم بين رغبتي العيش والتحرر، وطرق التحرر صعبة الآن، فلتكن دولتين، فالتحرر يحتاج إلى عقل وظرف زمني ملائم.

كل فعل ما لم يكن له ردة فعل حكيمة سوف يؤدي إلى بطش المعتدي، وهذا لا يعني تخليك عن تحرير أرضك، وإنما يعني تقديم الحكمة، ومعطيات الواقع تشير إلى ضعفك، وجبروت عدوك بالأسلحة والدعم الدولي، فمن الفطنة أن توازي عدوك قوة ودعماً دولياً حتى يكون موقفك أو حربك لها معنى، وعشرات الدول ظلت تحت الاحتلال لمئات السنوات، وعندما نهضت للتحرر كانت معطيات القوة متحققة، حتى إن المناضل يرى النصر أمام عينيه.