-A +A
حمود أبو طالب
كثيرٌ جداً ما يحدث، أكثر من طاقة أعصاب الإنسان وعقله ونفسه على الاحتمال، هناك آلام محتملة وهناك بشاعات لا تدري ما نوع إحساسك بها، شيء أمرّ من الألم، وأشنع من الوجع، يجتاحك بشكل كاسح ولئيم، لا تدري كيف تصنفه ولا تستطيع أن تصفه. تتحول إلى كائن مثخن، طريح الروح، مشلول التعبير، تود أن تتقيأ غثيانك على كل هذا العالم الذي يتفنن في صنع الكوارث، ويبدع في الانحدار الأخلاقي كلما زادت حضارته المادية تطوراً.

منذ أسبوعين، وعلى مدار الساعة والدقيقة والثانية، ونحن نقتات على مشاهد القتل الممنهج في غزة، نتابع أحقر إرهاب يمكن أن يتخيله البشر، وبرعاية وتمكين وتشجيع ودعم الدول الكبرى التي تتشدق بتأريخها الطويل في الحضارة والديموقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. نعم إنها الدول التي طالما صدعتنا نحن في العالم العربي بتأخرنا في ملفات وقضايا حقوق الإنسان، وطالما تباهت علينا بإنسانيتها المزعومة، هي التي تقوم بدور العرّاب والمرشد والمدرب والمشجع والحامي لدولة تنفذ واحدة من أشنع مجازر التأريخ ضد شعب أعزل لا ذنب له غير أنه يريد العيش في وطنه. دولة لا يواجه جيشها جيشاً نظامياً، ولا يواجه معتدين أو بغاة، بل مدنيين يعيشون أساساً في أكبر سجن عرفه العالم، وليس جيشها القوي وحده من يقوم بهذه المجزرة المستمرة، بل بمساندة الأساطيل وحاملات الطائرات، وتزويده بأحدث منتجات مصانع السلاح، ودعمه سياسياً ومالياً وإعلامياً، وكأنه المظلوم المستضعف وصاحب الحق الذي سلبه منه الفلسطينيون.


هل سمعتم من قبل عن رئيس أقوى دولة في العالم، يتعالى مبنى الأمم المتحدة في إحدى مدنها، يحضر اجتماع هيئة الحرب في دولة أخرى. هذا ما فعله الرئيس بايدن، وهذا ما فعلته أمريكا، وجعلت بقية حلفائها من الدول الأوروبية تنخرط معها في هذه الدعم غير المسبوق.

أسبوعان ونحن نصبح ونمسي، نصحو وننام، على البث الحي للقصف، وأشلاء الأطفال والنساء والعجزة، نتابع تدمير المستشفيات على من فيها، ودور العبادة على المحتمين بها، في سابقة تمثل لعنة أبدية على من فعلها، ومن دعمها، ومن سكت عليها، ومن تسبب فيها. يريدون أن تصبح هذه المشاهد عادية بالنسبة لنا، حتى إذا استمرت تكون أحاسيسنا تالفة ومشاعرنا معطلة، فلا نأبه بها. لن يحدث ذلك، فإن فُقدت عدالة الأرض ستحل عدالة السماء، وتلهم وتعين المظلومين كيف ينتصفون لمظالمهم.