-A +A
حمود أبو طالب
للصحة في المملكة قصة جميلة تستحق أن توثّق وتُروى، فليس بالبعيد كثيراً عندما كان المواطن السعودي يبحث عن الاستشفاء في دول أخرى لعدم توفر المرافق الصحية الجيدة في وطنه، لكن النظرة الثاقبة للدولة جعلت مجال الصحة من أهم أولويات الاهتمام في خططها المتوالية بإنشاء منظومة صحية متكاملة ومتعددة المستويات، من الرعاية الأولية إلى المستشفيات العامة والمرجعية وكذلك المراكز الطبية المتخصصة التي أصبحت في مستوى المراكز الشهيرة في العالم. وفي الوقت نفسه بدأ الاهتمام بإعداد الكوادر الصحية الوطنية عبر إنشاء كليات الطب والكليات الصحية، وابتعاث الأطباء إلى أفضل جامعات العالم، لتكون النتيجة طفرةً هائلةً في قطاع الصحة، مرافقَ وكوادرَ، ونظاماً صحياً متطوراً يواكب المستجدات في الخطط الصحية العالمية، ويلبي الحاجات المتغيرة للمجتمع السعودي. لقد تغيرت المعادلة الصحية تماماً، لم يعد المواطن السعودي بحاجة إلى البحث عن علاج خارج وطنه إلا فيما ندر، وأصبح المرضى من الخارج في محيطنا وأبعد منه يبحثون عن العلاج في المملكة.

هذا الاهتمام الكبير بقطاع الصحة لم يتوقف، فعندما بدأت الرؤية الوطنية 2030 كان القطاع الصحي من أهم أولوياتها، ولكن بما يتماشى مع المفاهيم والنظريات الجديدة للإدارة الصحية من حيث إعادة الهيكلة لتحقيق مزيد من الكفاءة والجودة وسهولة الحصول على الخدمة الصحية، وقائية وعلاجية وإسعافية؛ كي تغطي كل مناطق المملكة بذات الجودة. وخلال السنوات القليلة الماضية استفادت المملكة من التجارب العالمية الناجحة في إدارة قطاع الصحة، وأضافت لها تجربتها الخاصة لتصنع نموذجاً أثبت إلى الآن نجاحه المتميز، ولعلنا نذكّر بكفاءة هذا النموذج عندما تم اختباره خلال جائحة كورونا، وأثبت نجاحه الكبير الذي أشادت به منظمة الصحة العالمية وكثير من المرجعيات الصحية الرائدة في العالم.


هذا التحول الهائل في إدارة القطاع الصحي، وتوظيف أحدث التقنيات والأساليب لرفع كفاءته وجاهزيته وشموليته، وكذلك التوسع الكبير في هذا القطاع كماً ونوعاً، جعل من المملكة مركزاً يستقطب خبراء العالم لتبادل تجاربهم وخططهم وعرض أحدث التقنيات وأساليب الإدارة. ولذلك سوف تستضيف الرياض؛ المدينة التي أصبحت تستقطب المؤتمرات العالمية في كثير من المجالات، «ملتقى الصحة العالمي» والمعرض المصاحب له في الفترة من 29 إلى 31 أكتوبر الجاري، وهو حدث استثنائي عالمي برعاية وزارة الصحة السعودية تحت شعار «استثمر في الصحة»، بمشاركة أكثر من 300 شركة عارضة من الشركات العالمية والإقليمية والمحلية، ضمن معرض يحتوي على أحدث ابتكارات وتقنيات الرعاية الصحية في مجالات متعددة مثل الصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة وأحدث الأبحاث ومصادر المعرفة.

لماذا نشير إلى هذا الملتقى وننوه بأهميته. ببساطة؛ لأن العالم يأتي إلينا بكل خبراته بدلاً من الذهاب إلى كل بلد لمعرفة تجربتها، وهذا لا يحدث إلا إذا كان البلد المستضيف قد وصل إلى درجة كبيرة من التميز في مجال الصحة. سوف يشهد الملتقى ندوات كثيفة تناقش مفهوم الاستثمار في صحة الإنسان بأبعاده الشاملة، وأهمها البُعد الوقائي. كما سوف نشاهد أحدث الابتكارات والتجارب في مجال الصحة، والأهم أن هذا الملتقى العالمي تأكيد على أن حرصنا على تطوير القطاع الصحي عملية مستمرة لا تتوقف، وهذا ما يجب أن يكون.