هناك سبب لكون العرب أكثر أمة تملأ صور جثامين أبنائها الشاشات، فهم يموتون أكثر من غيرهم في الصراعات الدائرة وأنواع الكوارث؛ لأنهم يفتقرون لأبسط أساسيات حماية الأرواح في أحوال الطوارئ كالحروب، فغزة -على سبيل المثال- التي تتعرض بشكل دوري للقصف بسياسة الأرض المحروقة، وتعرضت فيها للقصف بشكل متكرر وجماعي المستشفيات ومدارس وكالة الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)؛ التي يلجأ اليها المدنيون رغم أن (الأونروا) منحت إسرائيل إحداثياتها وضمنت عدم وجود أي نشاطات عسكرية حولها، وأيضاً قصفت مخازن المساعدات الغذائية التابعة لها، وكان يمكن تقليل الخسائر بالأرواح وأعداد من يعانون الإصابات الخطيرة والإعاقات ببناء ملاجئ دائمة للمدنيين لا تتأثر بالقصف كالتي لدى الإسرائيليين، وكامل العالم العربي غير المستقر يحتاج لإقامة ملاجئ للحروب، فقيمة حياة الإنسان ترتفع بارتفاع ما يبذل للحفاظ عليها، والعالم العربي رغم كونه منطقة غير مستقرة لكن لا توجد فيه أنظمة حماية للتعامل مع الكوارث والحروب، فلكي يحترم العالم الخارجي قيمة حياة الإنسان العربي يجب أن يراها غالية بما يبذله أهلها من جهود متفانية للحفاظ على حياة وسلامة الإنسان في كل الظروف بخاصة الكوارث والحروب. وبالنسبة للتبرعات والإعانات الموجهة للمجتمعات العربية المنكوبة بشكل مستمر أو مطول مثل أهل غزة والسوريين يجب أن يكون جزء أساسي منها مخصصاً للتنمية المستدامة كما يقول المثل «بدل أن تعطي المحتاج سمكة كل يوم علمه كيف يصيد»، فحتى الآن رغم أن الحروب الأهلية في العالم العربي مستمرة من أكثر من عشر سنوات لم تتغير آلية المساعدات بكونها مخصصة لتلبية الحاجات الآنية؛ ولذا لا يزال اللاجئون والمهجرون يحتاجون للمساعدات بعد عشر سنوات كان يمكن خلالها أن يبنوا واقعاً جديداً لو تم تقديم مساعدات للتنمية المستدامة لديهم، وهذا هو الأفضل لكل الأطراف، ومن المساعدات المستدامة الأثر نقل مكان إقامة من يتعرضون إلى أخطار الكوارث المائية بشكل دوري بسبب أماكن إقامتهم بدل تقديم المساعدات لهم كلما تعرضوا لفيضانات، أو إقامة أنظمة تصريف وحماية من الفيضانات، وبالمثل من يقيمون في مناطق نشطة زلزالياً، فبدل الانتظار حتى يحصل الزلزال ويقع الضحايا لتقديم المساعدات يمكن تقديم مساعدات لتكون أبنيتهم مقاومة للزلازل كما باليابان حيث لا يموت أحد بزلازلها رغم أنها من أكثر البلدان التي تعاني من الزلازل بسبب أن مبانيها مصممة بتقنية مقاومة الزلازل، والذين يعتمدون على مياه الأمطار وعندما لا تهطل يعانون الجفاف والمجاعة يمكن إقامة أنظمة لحفظ احتياطي من الماء أو محطة تحلية لماء البحر، فالوقاية خير من العلاج، لكن لا يزال الغالب عالمياً هو توجيه المساعدات للحاجات الآنية، وهذا يخفف فقط من وقع الكوارث، لكن الإغاثة المستدامة قادرة على منع حصول خسائر بالأرواح جراء الكوارث مهما كانت. وهناك معضلة لدى المتبرعين المسلمين بشكل خاص في كونهم يفضلون التبرع للجوانب الدينية كبناء المساجد وتحفيظ القرآن بدل التبرع لبناء المستشفيات والمدارس والتنمية وعموم احتياجات المحتاجين المادية، والأصل أن المثوبة على قدر قضاء حاجة الناس وليس بكون المساعدة دينية الطابع، والناس يمكنهم الصلاة في الشارع لكن لا يمكنهم الخضوع لعملية جراحية في الشارع، وهذه مسألة يجب توعية المسلمين بها عبر خطب الجمعة والفتاوى، والدكتور عبدالرحمن السميط رائد الإغاثة في أفريقيا عندما سئل عن أصعب ما واجهه خلال عمله الإغاثي رد بأنه إقناع المتبرعين بالتبرع للإغاثة من المجاعات بدل بناء المساجد لمن يموتون من الجوع، وكان يقول لهم إن المحتاجين إن شبعوا وتعالجوا وتعلموا وعملوا سيبنون بأنفسهم مساجد وتحفيظ للقرآن.