-A +A
صدقة يحيى فاضل
شجعني لكتابة هذه الرسالة المفتوحة إلى رئيس أقوى دولة في العالم، ما قرأته مؤخراً من رسائل... كتبها زملاء (محللون سياسيون عرب) لذات الرئيس، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي الغاشم المتواصل على المدنيين في غزة، وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الصهاينة على الفلسطينيين، وتجشم هذا الرئيس المُسن متاعب السفر للقدوم إلى المنطقة، للاطمئنان على إسرائيل، وعلى كونها قادرة على «الدفاع عن نفسها»، ضد الفلسطينيين الغزاة، الذين أقضوا مضاجع الصهاينة بعملية «طوفان الأقصى»، التي تم شنها يوم 7/‏‏ ‏10/‏‏ ‏2023م، و

وعند كتابة هذه الرسالة تذكرت، سيدي الرئيس، مقولة «من علمني حرفاً، صرت له عبداً»؛ لذلك، أتقدم لفخامتك بخطابي هذا، مقروناً بأسمى آيات الاحترام، والتقدير، والامتنان؛ فعلى يدك، درست بعض مواضيع إحدى مواد تخصصي؛ الزمان كان هو عام 1980م، والمكان كان «جامعة كليرمونت»، بمدينة كليرمونت، بولاية كاليفورنيا، بأمريكا، كنت طالباً في قسم العلوم السياسية (العلاقات الدولية)، كان رئيس القسم هو أستاذنا «فريد نيل» يرحمه الله، وكنت أنت من أقرب أصدقائه. كنت سيناتوراً شاباً، عضواً بمجلس الشيوخ، من ولاية «ديلاوير». وكنت تأتي إلينا من أقصى الشرق الأمريكي، مرتين بالشهر، ولمدة ثلاثة أشهر، لتحاضرنا عن العلاقات الأمريكية- السوفيتية، التي كنت خبيراً فيها. كان صديقك «فريد نيل» يوكل إليك تدريس جزءٍ كبيرٍ من مادة «العلاقات الأمريكية- السوفيتية». وكان العبد الفقير إلى الله، والدكتور عبد المحسن هلال، والمرحوم الدكتور سليمان توفيق، من طلاب هذه المادة. وكان بروفيسور نيل يمتحننا في محاضراتك. كنت أكاديمياً جيداً، وسياسياً ديمقراطياً معتدلاً، حتى أنك كنت تلتمس العذر للسوفييت، بسبب قلقهم الحاد المبالغ فيه، على حدودهم، وأمنهم. وكم فرحنا بوصولك لمنصب نائب الرئيس، ثم «الرئيس».


****

لا أخفيك، سيدي، أني لم أتوقع أن تصل لدرجة دعم وتشجيع الصهاينة على قتل المدنيين الأبرياء العزل، وهدم البيوت على رؤوسهم، وقتل كل من كان بالمستشفى المعمداني بغزة من الأبرياء، خاصة الأطفال، والنساء، والمرضى (عددهم كان حوالى 500 شخص) ذهبوا ضحية لعدوان صديقك نتن.. ياهو، ورفاقه، عتاة المتطرفين الإرهابيين، الذين يمارسون إرهاب الدولة، ضد الفلسطينيين، على مدار الساعة، وبما تجودون به عليهم من أسلحة، كالتي أحضرتموها معكم، كهدية، بمناسبة «طوفان الأقصى». وكنت مستاءً من تأييدك لتدمير العراق، لصالح إسرائيل.

لقد فوجئت، وفوجئ كل من يتابعك، بقدومك إلى المنطقة، للاطمئنان على إسرائيلكم، وضمان أنها «تدافع عن نفسها»، وأنها تقوم بالدور المرسوم لها. من المؤكد أن سنكم، ووضعكم الصحي، جعلا هذه الرحلة متعبة، وشاقة. وكان بإمكانكم الاكتفاء بإرسال حاملة الطائرات إلى المنطقة، ولكن، من الحب ما قتل. وليتكم، يا فخامة الرئيس، تعطون إسرائيل جزءاً من إحدى ولاياتكم الواسعة، لتكون قريبة منكم، رأفة بها، وخوفاً عليها من الإرهابيين، وأفعالهم الشنيعة، التي لا مبرر، ولا مسبب (منطقي) لها. فمن قال: إن المقاومة ليست إرهاباً...؟! ومن هذا المعتوه الذي يكره الاحتلال، خاصة في عصر «العولمة»...؟!

كنت أتمنى، كمحب لكم، أن تبقى في مكتبك البيضاوي، وأن تتأمل ما تقوم به هذه الإسرائيل، ثم تحكّم ضميرك، وإنسانيتك، وديمقراطيتك، (ولو للحظات) بحكم كونك الآن رئيساً، ومسؤولاً عن قيادة العالم في الجهة الحق، والصحيحة، لا دعم المجرمين، قتلة الأطفال، والنساء، والتفاخر بدعمهم، طمعاً في أربع سنوات أخرى من الرئاسة.

ونظراً لعدم فوات الأوان بعد، نتمنى عليك أن تدرس هذه القضية، من كل أبعادها. وحبذا، لو اطلعت على ما يقوله المنصفون، في أمريكا، وغيرها من بلاد الغرب، عن حقيقة إسرائيل، وحقيقة ما تفعله بالمنطقة، وضد الفلسطينيين، وغيرهم. غالباً ما ستغير رأيك، إن حكّمت العقل، والضمير الإنساني الحي فيك، والمعروف عنك. وسترى، إن زالت غشاوة العاطفة، ما يفعله هذا الكيان العنصري بالمنطقة، وأهلها. وما يسببه لأمريكا نفسها، ولسمعتها، من مساوئ... بلادكم في غنى عنها. ماذا نسمي هذا القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي يمارسه أحد أقوى الجيوش ضد مدنيين عزل؟! أليست هذه حرب إبادة جماعية؟! لتكن قيادة الصهيوني هي التي تصنع الفرق، وتشفى السياسة الأمريكية من وهم وسطوة أعداء أمريكا، والإنسانية.

سيدي فخامة الرئيس، إن فوزك بإحقاق الحق، وربما جائزة نوبل للسلام، أو جائزة تقدير من الإنسانية قاطبة، للموقف الإنساني المنتظر منك اتخاذه، أفضل، وأكرم من أربع سنوات أخرى، تضطر خلالها لخدمة كيان، يمتهن الاحتلال، والقتل، وتزوير الحقائق، والتلاعب بالتاريخ.