-A +A
محمد الساعد
في الوقت الذي تصدر فيه وزارة الإعلام السعودية مسودة نظام على رأس بنوده تجريم الإساءة للدول الشقيقة والصديقة ورموزها السياسية والدينية ومعتقداتها، تواجه المملكة هجوماً غير مسبوق يمسّها «رموزاً وتاريخاً وثقافة وتديناً»، الهجوم الذي تعودناه كان دائماً ما يأتي من مخازن الكراهية المعروفة، وهي مراكز لديها عداء واضح وقديم بسبب تصدي المملكة العربية السعودية لمشاريع هيمنة إقليمية ودولية تنفذها من الباطن مليشيات وتنظيمات مؤدلجة عبأت وراءها طوال عقود مثقفين وكتّاباً وعوام، لكن من غير المفهوم أن يأتي هذا الهجوم وبهذه الكثافة من بعض المحسوبين على الشقيقة مصر.

لو كانت مجرد تدوينات عابرة في منصة «X» لقلنا لعلها معرّفات وهمية تحركها أيادٍ خارجية المقصود منها الوقيعة بين الشعبين، لكن هناك كم هائل من الرسائل المسيئة جداً للسعودية بالصوت والصورة -والمسكوت عنها- تنتشر في منصات التواصل وتحمل كراهية وسباباً مقذعاً وغير مقبول بالمرة.


لقد تجاوز الأمر حد النوايا الحسنة وتحوّل إلى حرب عبثية تغذيها أسماء معروفة من بعض الإعلاميين والفنانين والمثقفين، وهنا لا أقصد الحكومة المصرية ولا الشعب المصري بعمومه، لكن يبدو أن هناك مكونات وتيارات تستهدف السعودية وتروّج لأكاذيب وشائعات لصنع حالة من العداء دون سبب، ربما تكون إخوانية أو يسارية أو ذات مصالح تجارية، لكن تركها سيفاقم الفجوة بين الجناحين العربيين الأبرز.

فلا موسم الرياض يأكل من اقتصاد مصر، ولا نفط السعودية وغازها جاء على حساب الغاز المصري، بل إن القائمين على موسم الرياض -في نسخته الحالية- قاموا تكريماً لمصر باستنساخ معالم للحضارة المصرية، كما أقاموا ليلة الفن المصري في النسخة السابقة، ومع ذلك كانت ردود الفعل خشنة ومسيئة، فالموسم عبارة عن حالة فنية مجدولة، وفي كل العواصم العربية من القاهرة إلى بيروت إلى دبي والكويت ودمشق وبغداد، مروراً بتونس، وليس انتهاء بالرباط، فنون وموسيقى ومهرجانات لم تتوقف.

هناك من يعتقد أن الرياض إذا أضاءت انطفأ، وكأن تألقه وتحضّره يأتي بإلغاء الآخرين، بينما نرى أن نيويورك لم تطفئ لندن ولا باريس ولا فيينا، بل إن لكل عاصمة هويتها ولونها وجمالها.

مصر التي نعرفها باتساع أفقها تشكّل فنها عبر احتضانها لمساهمات العديد من الروّاد مثل جورج أبيض اللبناني، وعبدالسلام النابلسي الفلسطيني، وأنور وجدي السوري، ونجيب الريحاني العراقي، وعمر الشريف وفريد الأطرش واخته اسمهان السوريين، والموسيقار سليم سحاب والمغنية صباح اللبنانيين، لذلك فإن من يحاول وأد الفن المصري الذي تحتضنه الرياض أو أبوظبي أو حتى القاهرة والساحل، يسحب من مصر روحها المتصالحة ويدفعها إلى حالة عداء مع محيطها.

فهل أغنية «رفرف يا طير الحرية» التي غناها محمد عبده في احتفالات الجيش المصري العام 1998م تسمح للسعوديين بملاحقته وسبابه وحشد الكراهية ضده لأنه تغنى بمصر وأنشد على مسرح غير مسارح الرياض، بالطبع لا.. وفي السياق نفسه هل يمكن لمواطن لبناني أن يلوم وديع الصافي عندما غنى «عظيمة يا مصر»، أيضاً الجواب لا.

هذا الهجوم الممنهج ضد السعودية وتحميلها قضايا مصيرية يبدو غير بريء وغير عفوي، فضلاً عن أن السكوت عليه وعدم تجريمه أو ملاحقته يؤدي إلى تفاقمه، ويطرح العديد من الأسئلة، فلم تكن السعودية في يوم من الأيام تشكّل خطراً وجودياً ضد مصر، ولم تنخرط في تحالفات أو مشاريع ضد مصالح مصر العليا.

نعم نختلف مثل الجميع في بعض الملفات، ولدينا أيضاً تاريخ طويل من المصالح والتفاهمات المشتركة والعلاقات القريبة جدّاً، لكننا نربأ أن ينخرط البعض في معارك الآخرين الموجهة ضد السعودية، فالدماء النازفة في غزة وسوريا وليبيا والسودان توجع العرب كافة من مصر إلى سواحل الخليج والمحيط، لكنها ليست مبرراً لاستهداف المملكة وشيطنتها وصناعة الكراهية ضدها.