ثلاثة مستويات رسمت تطور الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الأسبوع الأخير دون اختراقات تذكر، فعلى المستوى العسكري إسرائيل -نظرياً- تحقق تقدماً ميدانياً عبر شطر قطاع غزة شطرين؛ الأول شمالي يضم محافظتي غزة والشمال، والثاني جنوب وادي غزة وصولاً إلى رفح، ونقول هذا التقدم نظري لأنه لا يتناسب مع إمكانيات الجيش الإسرائيلي ولا مع الأهداف التي وضعتها تل أبيب وهي القضاء على حماس والإفراج عن الرهائن والأسرى، وحتى الآن لم يتم الإفراج عن هؤلاء؛ بما يعني أن القضاء على حماس مسألة صعبة وتحتاج وقتاً طويلاً، الأسوأ من ذلك بالنسبة لإسرائيل هو تحول الصراع إلى حرب مدن، ويبدو أن الجيش الإسرائيلي يعاني، وحجم الخسائر في صفوف جنوده كبير للغاية، وفقاً لهذه الحال علينا انتظار أسابيع أخرى، من جهة أخرى لا تزال الدولة العبرية تمارس سياسة العقاب الجماعي وترتكب مزيداً من الانتهاكات وجرائم الحرب التي تمثلت -أخيراً- في الحرب العبثية على المشافي في مدينة غزة، بما يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي. أما المستوى الآخر فهو القمة العربية والإسلامية التي انعقدت في الرياض، وقد استطاعت الدبلوماسية السعودية توحيد الكلمة عبر صياغة موقف صلب للدول العربية والإسلامية بالتأكيد على ثوابت القضية الفلسطينية والمبادرة العربية؛ التي تنسجم مع مطالب معظم دول العالم بحل سياسي يقوم على أساس حل الدولتين والانسحاب الإسرائيلي حتى حدود الرابع من حزيران 1967، وكذا الدعوة إلى وقف إطلاق النار وكسر الحصار المفروض على الأشقاء في قطاع غزة، ورفض التهجير القسري الذي تهدد به إسرائيل، والوقوف صفاً واحداً خلف الموقف المصري الرافض لهذا الحل، الذي واجه ضغوطا شرسة، وأصرت القاهرة ومعها المملكة وكل الدول العربية والإسلامية على رفض تصفية القضية عبر تهجير السكان. الموقف العربي والإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية بدأ يتلاقى مع بعض المواقف الغربية فبتنا نرى مواقف غربية مختلفة وتغيراً في لغة الخطاب بما يعني أن الهامش المتاح أمام العملية العسكرية الإسرائيلية بدأ يتضاءل، وهذا التغير كان نتيجة الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان والصور الصادمة القادمة من غزة وكذا تحرك المجتمع المدني في الدول الغربية بحيث شهدت العواصم الكبرى مظاهرات حاشدة مثل باريس ولندن وواشنطن وغيرها، بل إن بعض الأحزاب السياسية بدأت تعلي الصوت منتقدة للتوجه المؤيد لإسرائيل مثل حزب فرنسا الأبية، لدرجة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا إسرائيل إلى التوقف عن قتل الأطفال والنساء بما يمثل انعطافاً مهماً في التوجه الذي تبنته فرنسا، وكذا فعل مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي الذي دعا إلى هُدن إنسانية تسمح بمرور المساعدات إلى سكان القطاع، ولعل الأيام القادمة حبلى بمواقف مشابهة لمسؤولين غربيين آخرين. هناك نقطة واحدة تثير قلق الكثيرين وهي مراهنة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على إطالة أمد الصراع لعل نتائجه تنقذ حياته السياسية بعدما توقع الجميع داخل وخارج الدولة العبرية أن الرجل قد مات سياسياً، بما يجعل الحرب تراوح مكانها دون منجز حقيقي، بينما الضغوط السياسية لم تنضج بعد لتضع حداً لشلال الدم الغزّي.