-A +A
عبداللطيف الضويحي
رغم أهمية وضخامة المظاهرات والاحتجاجات والأصوات المندِّدة بالاحتلال الإسرائيلي وجرائمه الفظيعة ضد الشعب الفلسطيني في العواصم الغربية ومنها لندن بطبيعة الحال، إلا أن المستغرب هو ندرة الأصوات والاحتجاجات التي لا تخص بريطانيا على وجه التحديد بالمسؤولية القانونية التاريخية عن كل جرائم الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي أي منذ انتهاء الاحتلال البريطاني.

من الأهمية الإستراتيجية البالغة أن يتم التمييز بين مسؤولية بريطانيا القانونية الجنائية التاريخية والتي سلّمت بموجبها بريطانيا أرض فلسطين وشعب فلسطين لعصابات صهيونية وقاتلت إلى جانبهم ومكّنتهم من فلسطين ومن المنطقة دون وجه حق أو سند قانوني من خلال وعد بلفور وغيره من المعاهدات، والمواقف البريطانية الآنية المتماهية مع الجرائم الصهيوينة اليومية ومع مواقف حلفاء لندن في واشنطن والعواصم الاستعمارية الغربية.


يجب استثمار التعاطف العالمي الاستثنائي مع الشعب الفلسطيني هذه الأيام من خلال العمل الجاد والمكثف والدؤوب في تأسيس وتعزيز شبكة حقوقية فلسطينية عالمية واسعة من المحامين والجمعيات والنقابات والفعاليات الحقوقية والإنسانية الفلسطينية وغير الفلسطينية في مختلف دول العالم، وتكون مهمتها الأساسية العمل بشتى السبل على إرغام بريطانيا بأن ترضخ وتتحمّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية عما تعرّض ويتعرّض له الشعب الفلسطيني من مآسٍ. يجب أن تدفع بريطانيا الثمن وإرغام لندن على إقامة دولة فلسطينية حقيقية وصلبة ذات سيادة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه فوق أرضه، وأن تتحمّل بريطانيا دفع تعويضات لكل الشعوب العربية وغير العربية التي تضررت ولا تزال تتضرر من وجود الكيان الصهيوني وعدوانيته.

وحتى لا تتكرر مجازر غزة ويعاود الاحتلال سياساته بالإبادة والتهجير، من الضروري توظيف أحداث غزة وبناء وعي عالمي في الدول وبين الشعوب البعيدة لفضح المسؤولية البريطانية التاريخية عن كل ما يتعرّض له الفلسطينيون وتوجيه كل ذلك في عزل بريطانيا عن المجتمع الدولي حتى تنصاع لترجمة الشرعية الحقوقية الفلسطينية على أرض فلسطين.

يجب أن يكون العمل الفلسطيني الحقوقي مكثفاً ومركزاً وعلى مراحل، لكي يتواكب ويتزامن مع الحراك الحقوقي الذي تشهده عدد من العواصم العالمية في تبنيها الحق الفلسطيني، والذي بدأ يتشكّل ويتّسع منذ أسابيع على خلفية المذابح الإسرائيلية للشعب الفلسطيني في غزة، ولكي يتم ترجمة صوت الشارع العالمي لشرعية إضافية حقيقية تضاهي وتبز ما سواها من شرعيات تلمودية وصهيونية في فلسطين حتى تمكين الشعب والدولة الفلسطينية من الوجود على أرض فلسطين.

من المهم أن يكون لهذا الحلف الحقوقي الفلسطيني العالمي الكبير إستراتيجية قريبة ومتوسطة وأخرى بعيدة المدى. ومن بين الأهداف التي يجب العمل عليها تأسيس محكمة خاصة ومستقلة لا تخضع لمحكمة الجنايات المرتهنة للدول الاستعمارية، وأن تعمل بمعزل عن كل المنظمات والمؤسسات الأممية والمالية الغربية الواقعة في قبضة الناتو والدول الاستعمارية.

هذا المشروع الحقوقي الفلسطيني العالمي، يتطلب حملة إعلامية مدروسة ومركّزة ومستمرة، حتى تؤتي الحملة ثمارها ويتحقق الغرض منها. يجب أن يكون الهدف الأول من الحملة الإعلامية هو الضغط على بريطانيا وإرغامها على أن تدفع للشعب والدولة الفلسطينية ثمن ما اقترفته من جرائم بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. من الضروري عدم تشتيت الجهود والتركيز على بريطانيا وليس سواها حتى تتحقق الدولة الفلسطينية على الأرض أو حتى تستمر بريطانيا بدفع تعويضات للشعب الفلسطيني والشعوب العربية حتى آخر جنيه إسترليني في خزينتها ويتجسّد على أرض فلسطين دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة.

إن الضغط على بريطانيا وترويضها بالقانون، كفيل باستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه على المدى المتوسط والبعيد وهو السبيل لإرغام الفرنسيين والمستعمرين الأوروبيين جميعاً على الاعتراف بجرائمهم بحق الدول والشعوب العربية والأفريقية، وبالتالي دفع التعويضات الواجبة وتحميل المستعمرين تبعات كل ما اقترفوه خلال تاريخ الاستعمار وما بعده، وهذا هو السبيل الرادع لمنع كافة الدول العنصرية والإمبريالية من التفكير حالياً ومستقبلاً من تكرار جرائم المستعمرين الأوروبيين في العالم العربي وأفريقيا وغيرها.

من الضروري الإسراع بالعمل الجاد والمنظّم والمحترف في استثمار القفزة الهائلة بوعي شعوب العالم بحقوق الشعب الفلسطيني وشرعية الدولة الفلسطينية، والعمل على إرغام بريطانيا أخلاقياً وقانونياً على إعادة الحق الفلسطيني ودفع الثمن لكل إنسان فلسطيني فوق الأرض وتحت الأرض ولكل فلسطيني لم يولد بعد، وإقامة دولة فلسطينية حقيقية كاملة السيادة في فلسطين مثلما يفعل اليهود بألمانيا. لا يمكن أن تفهم بريطانيا أهمية وضرورة إقامة دولة فلسطينية، إلا إذا فهمت أن البديل عن الدولة الفلسطينية هو تفكيك المملكة المتحدة، عندئذ فقط تدرك لندن وحلفاؤها أن حقوق الشعوب يقررها أهلها وليس بلفور.