-A +A
عقل العقل
تمر المجتمعات في حالات من الهجرات من الريف للمدن الكبيرة لأسباب متعددة؛ يأتي في مقدمتها العوامل الاقتصادية والبحث عن فرص العمل في الغالب في مراحل البناء التنموي للدول في مراحل التغيرات والثورات الصناعية التي تشهدها دول العالم والتي قد يتبعها مرحلة كساد اقتصادي لها ظواهرها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذه المجتمع، ونشهد حركة تنقل في السكان من الريف للمدن أو العكس، وتكون لها نتائج إيجابية أو سلبية على موازنات الدول وعلى نمط الحياة من ترف أو حالات فقر مدقع في كثير من الأحيان ونشهد في بعض الدول العربية مدناً عشوائية تفتقر للخدمات ومدى ملاءمتها لحياة الإنسان.

في وطننا مترامي الأطراف تحيط بمدنه الكبيرة؛ ومنها العاصمة الرياض، مدن متوسطة وقرى وبلدات صغيرة بعضها طواها النسيان للأسف وأصبحت خربة قلة منها اهتم أهل تلك البلدات بالمحافظة على طرازها العمراني القديم، وأصبحت مزاراً للسياح الأجانب والمواطنين من حولها أو من المدن الضخمة، وهذه ميزة وتوجه جميل من بعض الأهالي، خاصة مع تقاعس بعض الجهات الرسمية التي من المفترض أن تحافظ على التراث العمراني المتنوع في تلك البلدات والقرى.


سنحت لي الفرصة هذا الأسبوع بالخروج لزيارة قرية «البرود» في إقليم السر، الذي يقع جنوب القصيم وشمال الدوادمي، منطقة ذات وفرة مياه وتربة خصبة وبها أغلب الدوائر الحكومية، ومرت بنهضة زراعية مشهودة في العقود الماضية، وما زالت الزراعة وتربية الماشية من الأنشطة الرئيسية في تلك المنطقة الغنية في ثرواتها الطبيعة وبلداتها المتناثرة بين سلسلة من الجبال من ناحية الغرب ونفود السر من جهة الشرق في وسطها توجد القرى المختلفة من حيث قدم التأسيس وطبيعة السكان، فهناك أكبر مدنها ساجر الساحرة التي اشتهرت بمنتوجاتها الزراعية من الحبحب أكثر من شهرة المنطقة ذاتها وبقربها قرى بلدات السكران وجفن والارطاوي وعسيلة وخف وارطاوي الرقاص وغير ذلك من المناطق السكانية في شمال الإقليم توجد بلدة «الفيضة» التي تعتبر من أقدم البلدات ومتكاملة الخدمات وتعتبر ذات كثافة سكانية لافتة في شمال الإقليم توجد عيون جارية الآن بعد انقطاع لسنوات عدة كما عين الصوينع وعين ابن قنور.

يلاحظ أن هناك قلة وانحساراً في النشاط الزراعي غير المعتاد في المنطقة، وقد يكون لذلك أسباب تنظيمية من الجهات المسؤولة، وهناك دمج للمدارس في مجمعات كبيرة ويتم نقل الطلاب والطالبات لتلك المدارس، وهذا يسبب صعوبات للأهالي وضعفاً لسوق التوظيف في الجهات الرسمية التي كانت تعمل منذ عقود في المنطقة وكل هذا له آثار سلبية على الأنشطة الاقتصادية في المنطقة والمناطق المشابهة في المملكة. علينا خلق وتطوير مثل هذه المناطق الريفية وجعلها جاذبة للإنسان وليس شرطاً لصغار العمر، بل هناك فئات أدت دورها في خدمة الوطن وتحتاج للراحة والبعد عن ضجيج المدن وزحامها المروري القاتل، إضافة إلى أن بعض الفئات ذات الدخل الاقتصادي المحدود قد يكون العيش في القري والأرياف البعيدة والمجاورة للمدن الكبيرة أحد الخيارات لهم، وقد تكون الحياة في هذه الأجواء الهادئة والخدمات المتوفرة لها انعكاسات إيجابية على نفسية وصحة الإنسان الساكن فيها.